الاعتداء على الغابات... ما يجب أن يعرفه الجميع
قال خبير السياسات البيئة عمر الشوشان إن وقف الاعتداء على الغابات في الأردن، ولا سيما الجرائم البيئية المروعة كتجريف وقطع أشجار السنديان المعمرة في عجلون، يتعين اعتماد مقاربة شمولية متكاملة تتجاوز الحلول التقليدية المجتزأة، حيث ينبغي أن تتضافر الأبعاد التشريعية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتوعوية، بما يضمن التوفيق بين مقتضيات التنمية المستدامة ومتطلبات الحماية البيئية الصارمة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأمر يتطلب إعادة النظر في المنظومة التشريعية الناظمة لحماية الغابات، من خلال سنّ تشريعات أكثر صرامة تُجرّم التعدي على الثروة الحرجية بوصفه انتهاكًا بيئيًا ذا تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية، بحيث تتضمن العقوبات فرض غرامات مالية باهظة وأحكامًا بالسجن الطويل الأمد، مع إنشاء غرف قضائية متخصصة في المناطق التي تشهد كثافة غابية ملحوظة، لضمان سرعة التقاضي وفاعلية الردع.
وأضاف الشوشان أنه ينبغي تعزيز إمكانيات فرق الحماية الميدانية، عبر منح الطوافين سلطات قانونية أوسع وتمكينهم من الاستعانة بتكنولوجيا المراقبة الذكية، كتلك التي أعلنت عنها وزارة الزراعة في إطار مشروع "مراقبة الغابات إلكترونيًا"، ما يتيح ضبط المعتدين في الوقت الفعلي وردعهم بشكل حاسم، مع مراعاة التمييز بين الأفراد الذين يعتمدون على الحطب لأغراض التدفئة ضمن الحدود المسموح بها، وبين العصابات التي تستغل الثروات الحرجية لأغراض تجارية غير مشروعة.
وأكد ضرورة إطلاق برامج تشجير مكثفة تعيد التوازن البيئي في المناطق المتضررة، كعرجان في عجلون، مع إعطاء الأولوية للأنواع النباتية المحلية، وعلى رأسها السنديان الذي يتواءم مع الخصائص المناخية والجغرافية للأردن، مشيرًا إلى أنه يجب أن تأخذ سياسات إعادة التشجير في الاعتبار البعد التنموي، من خلال التوسع في زراعة الأشجار المثمرة والنباتات الرعوية التي تقدم عوائد اقتصادية للمجتمعات المحلية، بما يعزز الارتباط العضوي بين السكان والبيئة، إذ إنه يمكن تحقيق ذلك عبر إشراك المجتمعات المحلية بشكل فاعل في هذه المبادرات، وتوفير فرص عمل مدفوعة الأجر ضمن مشاريع التشجير، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي ويخلق وعيًا مجتمعيًا بأهمية الغابات ودورها المحوري في التوازن البيئي.
أما من الناحية الاقتصادية، لفت الشوشان الانتباه إلى أن البدائل المستدامة تشكل مفتاحًا للحد من استنزاف الغابات، ومن هنا تبرز أهمية تعزيز السياحة البيئية كأحد المسارات التنموية البديلة، عبر تحويل الغابات، محمية عجلون مثالًا، إلى وجهات سياحية مستدامة من خلال إنشاء مسارات مخصصة لرياضات المشي الجبلي، ومناطق تخييم تُدار بالتعاون مع المجتمع المحلي، إلى جانب توفير مصادر دخل بديلة للأهالي عبر تمكينهم من العمل كمرشدين سياحيين أو منتجي مشغولات حرفية ومنتجات غذائية محلية، ما يقلل من الاعتماد على الأنشطة المدمرة للغابات، لا سيما قطع الأشجار لأغراض التدفئة أو الاتجار غير القانوني، مع ما يتطلبه تحقيق ذلك من تدريب السكان المحليين على إدارة المشاريع السياحية المستدامة، الأمر الذي يضمن استفادتهم المباشرة من الثروة البيئية، ويعزز دورهم في صونها.
ونوّه الشوشان إلى أن الوعي البيئي يشكل ركيزة أساسية لأي استراتيجية فعالة لحماية الغابات، ما يستدعي إطلاق حملات توعوية شاملة تستهدف مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، مع التركيز على البعد الثقافي والبيئي للأشجار الحرجية، خاصة السنديان الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية البيئية لعجلون، إذ ينبغي ربط حملات التوعية بمنافع ملموسة، مثل تحسين جودة الهواء، وتعزيز فرص العمل المستدامة، والحد من المخاطر البيئية الناجمة عن تدهور الغطاء النباتي، مستطردًا أن دور المؤسسات التعليمية والمنظمات المحلية لا يقل أهمية في هذا السياق، إذ يمكن إشراك المدارس والجمعيات البيئية في أنشطة توعوية تفاعلية، مثل حملات التشجير والمسابقات البيئية، بما يرسخ ثقافة الحفاظ على الغابات لدى الأجيال الناشئة.
ولتفعيل الإدارة المتكاملة للغابات، أشار إلى أهمية إشراك المجتمعات المحلية في عمليات اتخاذ القرار، لما يمثله ذلك من عنصرٍ محوريّ، ما يستدعي إنشاء لجان محلية تضم ممثلين عن السكان ووزارة الزراعة، تُعنى برصد الاعتداءات، ووضع خطط لاستخدام الموارد الحرجية بشكل مستدام، فضلًا عن تقديم حوافز اقتصادية، مثل مكافآت مالية أو دعم مادي يتمثل في توفير وسائل تدفئة بديلة للأسر التي تساهم بفعالية في جهود حماية الغابات.
وذكر الشوشان أنه لا يمكن تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف دون دمج حماية الغابات ضمن السياسات التنموية الوطنية، بحيث يتم تضمينها في إطار رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية (2023-2033) ضمن منظومة الاقتصاد الأخضر، مع تخصيص ميزانيات واضحة لتطوير البنية التحتية الخضراء في المناطق الريفية. كما أن الاستفادة من الدعم الدولي، مثل تمويل الصندوق الأخضر للمناخ (60 مليون دولار عام 2024)، والمشاريع الممولة من الحكومات الأجنبية، كتلك التي دعمتها ألمانيا مؤخرًا في مجال التشجير، يمكن أن يوفر موردًا استراتيجيًا لدعم المبادرات البيئية.

