المخفي بشأن خطة الإنقاذ العربية لغزة

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن البنك الدولي قدّر تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بنحو 50  مليار دولار، مشيرًا إلى أن العملية ستستغرق عقدًا كاملًا على الأقل، شريطة توافر الإرادة السياسية والموارد المالية، فضلًا عن ضمان انسيابية دخول المواد الأساسية دون عراقيل أو إملاءات ناجمة عن سياسات الحصار أو تداعيات العمليات العسكرية المتكررة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الخطة العربية في المقابل تطرح تصورًا أوليًا يقوم على توفير 20 مليار دولار، ما يعني أن نسبة 40% فقط من الاحتياجات المالية الأساسية قد تكون متاحة، بينما يظل 30 مليار دولار في عداد المجهول، وسط غياب آليات واضحة لسد هذا العجز أو حتى الإشارة إلى مصادر تمويل محتملة.

وبيّن البستنجي أن هذا الخلل الجوهري يثير تساؤلات محورية حول مدى واقعية الطرح العربي، لا سيما في ظل انحسار الدعم الدولي وتبدّل الأولويات الاستراتيجية لدى القوى الفاعلة عالميًا، فالولايات المتحدة، التي طالما شكّلت داعمًا رئيسيًا للبرامج التنموية والإنسانية في المنطقة، لا تبدو بصدد تقديم أي التزامات مالية مستقبلية، إذ إن العقيدة الاقتصادية لترامب، القائمة على الانكفاء المالي واسترداد ما اعتبرته إدارته إنفاقًا غير مبرر، تُفرغ أي احتمال لمساهمة أمريكية في إعادة الإعمار، أما إسرائيل، فهي عامل نشط في عرقلته، إذ تعتمد على تكتيكات التدمير الممنهج كأداة استراتيجية لإعادة صياغة المشهد الديمغرافي والسياسي في غزة.

ولفت الانتباه إلى أنه لا يمكن التعويل على إيران، التي لم تنخرط في أي مشاريع إعادة إعمار سابقة، حيث يقتصر دعمها على تحويلات مالية ضئيلة وأسلحة محدودة الفاعلية لحركة حماس، فيما انحسرت قدرة الاتحاد الأوروبي، الذي يرزح تحت وطأة التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، على تبني التزامات مالية كبرى خارج حدوده.

وذكر أن الخطة العربية تتحدث عن استكمال عمليات الإعمار في غضون 3 إلى 5 سنوات، إلا أن هذا الإطار الزمني يتعارض جذريًا مع المسوحات الميدانية الصادرة عن مؤسسات دولية مختصة، والتي تؤكد أن العملية لن تقل عن 10 سنوات، بل قد تتجاوز ذلك إذا استمرت العوامل المعرقلة على ما هي عليه، مضيفًا أن المبالغ المقدّرة لا تعكس بشكل دقيق التضخم المتسارع في تكلفة المواد الأولية، والتعقيدات اللوجستية الناجمة عن الحصار، والقيود الإسرائيلية التي تعرقل إدخال المعدات الثقيلة والبنى التحتية الأساسية.

واستطرد البستنجي قائلًا إن التمويل العربي ذاته لا يزال رهن سلسلة طويلة من الإجراءات البيروقراطية، تشمل مؤتمرات تحضيرية، واستشارات فنية، وخططًا تنفيذية، ومسارات تفاوضية لتأمين توافق عربي لم تتضح معالمه بعد، وهذا عمليًا، يعني أن أي انطلاقة فعلية للجهود التمويلية لن تتم قبل عام ونصف على الأقل، ما لم تحدث اختراقات دبلوماسية جوهرية على مستوى التنسيق العربي الداخلي.

وأشار إلى أن هناك تحركًا إسرائيليًا في خضم حالة الجمود الفلسطيني والعربي، وفق مخطط استراتيجي مدروس يستهدف إعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية لقطاع غزة من خلال تكتيكات التهجير القسري تحت غطاء "الهجرة الطوعية"، فقد بادرت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى تشكيل هيئة خاصة تتولى تقديم حوافز مالية وتسهيلات إدارية لمغادرة الفلسطينيين، في الوقت الذي تتعمد فيه عرقلة أي جهود لإعادة الإعمار.

ونوّه إلى أن كل هذه العوامل تتقاطع مع واقع سياسي مأزوم على الساحة الفلسطينية، حيث لا تزال معضلة إدارة غزة بلا حل، وسط استمرار حالة الانقسام الداخلي وتأجيل الحسم في الملفات الجوهرية المتعلقة بالحكم والإدارة، مستطردًا أن أي تأخير إضافي في هذا الملف سيؤدي إلى تفريغ أي جهود إعادة إعمار من مضمونها، إذ لا يمكن فصل الجانب السياسي عن الإطار التنموي، خاصة عندما يكون الطرف الإسرائيلي فاعلًا نشطًا في رسم ملامح المرحلة المقبلة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية