لقاء الملك بالمتقاعدين العسكريين... دلالات عميقة لمنتمي تيار الشك

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إنه يُمكن قراءة تأكيدات جلالة الملك، في لقائه اليوم مع المتقاعدين العسكريين، في ضوء السياق العام الذي أحاط بهذا الاجتماع، بما يحمله من دلالات سياسية، وأمنية، ومؤسسية، تتجاوز إطار المجاملة البروتوكولية إلى مستوى تثبيت الثوابت الوطنية وتحصين المواقف السيادية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن اختيار جلالة الملك التوجه بخطابه إلى المتقاعدين العسكريين من مختلف أفرع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بما في ذلك الأمن العام ودائرة المخابرات العامة، يعكس إدراكًا عميقًا لحساسية المرحلة وخطورة التحديات التي تواجه الدولة الأردنية، ويُبرز، في الآن ذاته، أهمية إبقاء هذه الفئة الوطنية في حالة اصطفاف دائم خلف القيادة.

وبيّن الرداد أن جلالة الملك أراد، من خلال هذا اللقاء، إعادة تأكيد الموقف الذي طرحه خلال زيارته إلى واشنطن، ولقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا سيما فيما يتعلق باللاءات الثلاث، التي باتت تمثل مرجعية مبدئية في التعامل مع القضية الفلسطينية، مضيفًا أن جلالته، حرص عبر تساؤل استنكاري عميق، على استحضار مسيرة ربع قرن من الحكم، متسائلًا: لماذا يشكك البعض في مواقف أثبتت الأيام رسوخها؟.

هذا التساؤل، في مضمونه، يمثل إغلاقًا لمساحة التأويل، ورسالة طمأنة للمؤسسة العسكرية وللرأي العام الأردني، بأن ثوابت السياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، وتحديدًا فيما يتصل بالوصاية الهاشمية على المقدسات، ورفض التوطين، وعدم القبول بوطن بديل، هي خطوط حمراء، لا تخضع للمساومة أو إعادة النظر، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ويُضاف إلى ذلك، أن جلالة الملك أشار، بشكل غير مباشر، إلى الحملة الإعلامية التي تعرض لها الأردن، عقب لقائه مع الرئيس ترامب، وهي حملة استهدفت، في جزء منها، تشويه مضمون المباحثات، عبر العبث المتعمد بترجمة التصريحات من الإنجليزية إلى العربية، ما أدى إلى إثارة البلبلة والشكوك حول حقيقة ما دار في اللقاء، ولعل جلالته أراد، من خلال هذا التوضيح المباشر، أن يضع حدًا نهائيًا لتلك التأويلات، بتأكيده على أن الموقف الأردني صدر من رأس الدولة، بلغة عربية فصيحة، وبوضوح لا يقبل اللبس.

وذكر الرداد أن حديث جلالته عن التحديات التي تواجه الأردن، وعن مكانة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لا يخرج عن إطار ترسيخ عقيدة الدولة الأردنية، بأن الجيش هو العمود الفقري للأمن والاستقرار، وأن المنتسبين إلى هذه المؤسسات، سواء العاملين منهم أو المتقاعدين، يشكلون الدرع الحامي للوطن، والسند الموثوق للقيادة.

وحين قال جلالة الملك للمتقاعدين: "أنا على يقين بأنكم ستكونون على يميني وعلى شمالي"، فإنه كان يوجه إشارة، تفيد بأن الأردن، في أوقات الأزمات، يعتمد على مخزون بشري مدرب ومؤهل، يُمثل احتياطيًا استراتيجيًا، يمكن استدعاؤه في اللحظات المفصلية.

وأشار الرداد إلى أن القانون الأردني، ووفقًا لقانون خدمة الضباط وقانون التقاعد العسكري، يعتبر المتقاعدين العسكريين، حتى سن الخامسة والخمسين، جزءًا من قوات الاحتياط، بما يعني أن هذه الفئة تبقى، بحكم القانون، مهيأة للعودة إلى الخدمة متى استدعت الضرورة.

وعندما أشار جلالة الملك إلى هذه الجاهزية، فقد كان يتحدث عن قوة احتياطية تُقدَّر بعشرات الآلاف، إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد المتقاعدين العسكريين، الأحياء منهم، يتجاوز 180 ألفًا، وإذا افترضنا أن نصفهم فقط قادرون على حمل السلاح، فهذا يعني أن لدينا نحو 100 ألف جندي مؤهل، يمكن دمجه، في أي لحظة، ضمن تشكيلات القوات المسلحة.

ولفت الرداد الانتباه إلى أن هذه الإشارة، وإن جاءت في سياق حديث عن الاستعداد والجاهزية، إلا أنها تحمل بعدًا سياسيًا عميقًا، بأن الأردن، رغم تمسكه بالسلام، يظل قادرًا، متى فُرض عليه خيار المواجهة، على الدفاع عن مصالحه الوطنية العليا، وعن سيادته وحدوده.

وهنا، تتقاطع هذه الرسالة مع تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي قال إن تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن سيُعتبر بمثابة إعلان حرب، وهي تصريحات، وإن فُهمت لدى البعض على أنها تهديد بالحرب، إلا أنها في جوهرها موقف مشروط، يرتبط بالفعل الإسرائيلي، فإذا كان هناك تهجير قسري، سيكون الرد الأردني بمستوى الحدث.

وفي هذا السياق، يُمكن فهم تصريحات جلالة الملك، في واشنطن، حين قال بوضوح: "مصالح بلدي، ومصلحة شعبي، فوق أي اعتبار"، وهو خطاب يعكس فلسفة الحكم في الأردن، التي تضع الأمن الوطني في مرتبة الأولوية القصوى، بعيدًا عن أي مساومات سياسية أو ضغوط دولية.

وبالنظر إلى المحيط الإقليمي، بيّن الرداد أن هذا الخطاب يُعد متقدمًا، إذا ما قورن بخطابات زعماء آخرين، إذ قلَّما نجد قائدًا يُعلن صراحة أن مصلحة شعبه مقدمة على كل شيء، بما في ذلك عروض ومغريات القوى الكبرى.

وعليه، فإن جلالة الملك، من خلال هذا النهج، يُقدم نموذجًا في القيادة، يقوم على التوازن بين الواقعية السياسية، والصلابة الوطنية، في زمن تتغير فيه موازين القوى، وتُعاد فيه صياغة خرائط النفوذ، ما يجعل التمسك بالثوابت الوطنية، مع الحفاظ على الجاهزية العسكرية، خيارًا استراتيجيًا لا بديل عنه.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية