الأمة العربية في مواجهة استحقاق تاريخي هو الأخطر منذ 1948
قال أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن الدكتور عصام صيام إن قمة الرياض تنعقد في ظل ظرف إقليمي مفصلي، تجد الأمة العربية نفسها من خلاله في مواجهة استحقاق تاريخي يتجاوز في خطورته كل المنعطفات التي مرت بها القضية الفلسطينية منذ نكبتها الأولى عام 1948.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المشروع الأمريكي المطروح – والذي تدفع به إدارة الرئيس دونالد ترامب – لا يمكن قراءته إلا بوصفه تطورًا نوعيًا في سجل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، إذ إنه للمرة الأولى، يُطرح علنًا تصور يستهدف إعادة هندسة الخارطة الديمغرافية والجغرافية للقطاع، من خلال تهجير سكانه قسرًا إلى دولتيّ الجوار – مصر والأردن – في خطوة تُعيد إلى الأذهان نماذج الاقتلاع الجماعي القسري التي لطالما ارتبطت بمجازر التطهير العرقي في مراحل مفصلية من التاريخ البشري.
ولعل ما يضفي على هذا المقترح خطورة استثنائية، هو أنه يشكل انتهاكًا فجًا لمبادئ القانون الدولي، وخرقًا صريحًا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تجرّم صراحةً نقل السكان قسرًا من مناطقهم الخاضعة للاحتلال، إلى جانب أنه يأتي متسلحًا بحاضنة سياسية أمريكية – إسرائيلية تتقاطع مصالحها عند نقطة القضاء النهائي على فكرة السيادة الفلسطينية، وإعادة تشكيل معادلة الأمن الإقليمي، بما يكرّس الهيمنة الإسرائيلية، ويفرض على دول الطوق العربي معادلات أمنية وديمغرافية بالغة التعقيد، وفقًا لما صرّح به صيام لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أنه أمام هذه التحولات المتسارعة، فإن المطلوب من القمة – بما يفوق مجرد إصدار بيانات تقليدية صيغت مسبقًا في أروقة الدبلوماسية العربية – هو بلورة موقف عربي جمعي يتسم بأعلى درجات الصلابة، ويأخذ في الاعتبار التداخل العميق بين ما يُطرح من مشاريع تهجير، وبين استهداف البنى الوطنية والاجتماعية لدولتي مصر والأردن، باعتبارهما المعنيتين، بشكل مباشر، بتحمل تبعات هذا السيناريو الكارثي.
ولفت صيام الانتباه إلى أنه يجدر بالقادة مجتمعين أن يُعلنوا، دون لبس أو مواربة، الرفض القطعي والحاسم، لأي محاولة تستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، والتشديد على أن أي حديث عن "توطين مؤقت" أو "إقامة مؤقتة" في أراضي الدولتين، ليس سوى مقدمة لإعادة إنتاج نكبة جديدة، ذات أبعاد أكثر مأساوية، سيكون لها ارتدادات سياسية وأمنية واجتماعية قد تمتد لعقود قادمة.
وأشار إلى أن الواجب يقتضي أيضًا أن تُمارس القمة أقصى درجات الضغط السياسي على الإدارة الأمريكية، لدفعها إلى التخلي عن سياسات الانحياز المطلق لإسرائيل، والعودة إلى موقع الوسيط النزيه، بما يتسق مع قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، بدلًا من أن تتحول واشنطن إلى طرف أصيل في ترسيخ منظومة الاستيطان، وشرعنة سياسات الفصل العنصري، وتمرير مشروعات الترحيل القسري.
غير أن إدراك الواقع السياسي العربي، لا سيما في ظل التباينات الحادة في المواقف بين دول المحور الخليجي من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، يجعل منسوب التفاؤل بصدور قرارات عملية ذات أثر ملموس، منخفضًا إلى حد كبير، كما قال صيام، فباستثناء المواقف الصلبة التي أعلنتها القاهرة وعمان، والمرتبطة باعتبارات أمنهما القومي المباشر، يبدو أن بعض العواصم الخليجية قد آثرت توظيف الأزمة الفلسطينية كأداة لتمتين علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، في سياق حسابات اقتصادية واستراتيجية، ترتبط بتحقيق مكاسب في ملفات الاستثمار والطاقة، واحتواء النفوذ الإيراني.

