الأردن والتحول من الاستجابة للهجمات السيبرانية إلى استباقها
قال خبير الأمن السيبرانيّ وصفي الصفدي إن هناك تصاعدًا للتهديدات السيبرانية التي تزداد تعقيدًا وتنوعًا، الأمر الذي أظهر الأردن لاعبًا إقليميًا بارزًا في مجال الأمن السيبراني، مستندًا إلى بنية تحتية رقمية متينة تعزز قدراته الدفاعية وتُرسي أسس الحماية لفضائه الإلكتروني.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المشهد السيبراني العالمي يفرض على المملكة تبني تدابير أكثر تطورًا وإحكامًا للوقوف في وجه المخاطر المتنامية.
وبيّن الصفدي أن الأردن تمكن من بناء منظومة سيبرانية متكاملة من خلال مزيج متجانس من السياسات الاستراتيجية، والأطر القانونية، والمؤسسات المتخصصة التي تهدف إلى ترسيخ الحماية الرقمية وتعزيز الصمود السيبراني، فقد شكلت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني (2018-2023) خارطة طريق طموحة تهدف إلى تحصين البنية التحتية الحيوية، وتحفيز الابتكار، وتعزيز الوعي المجتمعي حول المخاطر السيبرانية، مضيفًا أن المركز الوطني للأمن السيبراني لعب منذ إنشائه عام 2019 دورًا محوريًا في تنسيق الجهود الوطنية بين القطاعات الحكومية والخاصة، فضلًا عن تطوير آليات الاستجابة الفعالة للحوادث الإلكترونية.
وذكر الصفدي أن الأردن - على الصعيد التشريعي - اعتمد قانون الجرائم الإلكترونية الذي يضع إطارًا قانونيًا يجرّم الاختراقات الرقمية، والتلاعب بالبيانات، وانتهاك الخصوصية، وإن كان ثمة حاجة ماسة لتحديث هذا القانون ليتماشى مع المستجدات التكنولوجية مثل الهجمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وهجمات الفدية.
وتتجلى جاهزية الأردن لمواجهة التهديدات السيبرانية من خلال مجموعة من المؤشرات الأساسية التي تسلط الضوء على مدى تطوره في هذا المجال، فمن منظور التصنيفات الدولية، شهد الأردن تحسنًا ملموسًا في مؤشر الأمن السيبراني العالمي (GCI) الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، ما يعكس الجهود المبذولة في تعزيز الحماية الرقمية.
وأشار الصفدي إلى أن القدرة على الاستجابة للحوادث السيبرانية تبقى مرهونة بتحديات عدة، أبرزها محدودية الموارد والتطور المتسارع للأساليب الهجومية التي توظف تقنيات متقدمة، كما أن حملات التوعية التي أطلقتها الحكومة رغم فعاليتها، لا تزال بحاجة إلى مزيد من التوسع الجغرافي لاستهداف الفئات الأقل دراية بالمخاطر الرقمية، ولا سيما في المناطق الريفية.
ولفت الانتباه إلى أن المشهد السيبراني في الأردن يتسم بتحديات متزايدة تعكس تنامي الهجمات الإلكترونية التي تستهدف مؤسسات الدولة وقطاعاتها الحيوية، وتشمل هذه التهديدات الهجمات المتقدمة المستمرة (APTs) التي غالبًا ما تنفذها جهات مدعومة من دول، بغرض التجسس أو إحداث اضطرابات رقمية، كما تشهد البلاد تصاعدًا في وتيرة هجمات الفدية التي تستهدف المؤسسات الحكومية والقطاعات الصحية والتجارية، مما يتسبب في خسائر مالية فادحة وتعطيل للخدمات الحيوية.
واستطرد الصفدي قائلًا إن هناك انتشارًا لأساليب التصيد الإلكتروني والهندسة الاجتماعية التي تبقى من أكثر الطرق فعالية لاختراق الأنظمة الرقمية وسرقة البيانات الحساسة، علاوة على ذلك، فإن الهجمات التي تستهدف البنية التحتية، وخاصة قطاعي الطاقة والاتصالات، تشكل تهديدًا وجوديًا لقدرة الدولة على تأمين خدماتها الأساسية.
ونوّه إلى أنه لا يمكن فهم المشهد السيبراني في الأردن بمعزل عن تأثير العوامل الجيوسياسية التي تلعب دورًا جوهريًا في تشكيل التحديات الأمنية التي يواجهها، فالموقع الاستراتيجي للمملكة في منطقة الشرق الأوسط، والقرب الجغرافي من بؤر النزاع مثل سوريا والعراق وفلسطين، يزيد من احتمالية تعرضه لهجمات إلكترونية تستهدف مصالحه الحيوية، كما أن علاقات الأردن الوثيقة مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، تجعله عرضة لهجمات سيبرانية تهدف إلى تقويض هذه الشراكات الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى، فإن التحديات الداخلية، مثل تدفق اللاجئين، تفرض ضغوطًا إضافية على البنية التحتية الرقمية، مما يستلزم إجراءات مستمرة لتعزيز قدرتها على الصمود.
ورغم هذه التحديات، فقد حقق الأردن تقدمًا كبيرًا في مجال الأمن السيبراني، حيث أسس منظومة أمنية متكاملة جعلته مركزًا إقليميًا للابتكار في هذا المجال، كما نجح في تطوير موارده البشرية من خلال برامج أكاديمية متخصصة تعد الكفاءات القادرة على التصدي للتهديدات السيبرانية المتنامية، ولعب التعاون بين القطاعين العام والخاص دورًا محوريًا في تعزيز الحماية السيبرانية، فضلًا عن تطوير قدرات الاستجابة للحوادث الإلكترونية التي أثبتت فعاليتها في التعامل مع الهجمات المعقدة، وفقًا لما صرّح به الصفدي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار إلى أن تعزيز الأمن السيبراني في الأردن يتطلب اتخاذ سلسلة من التدابير الاستراتيجية التي تكفل صمود المنظومة الرقمية أمام المخاطر المتنامية، فمن الضروري الاستثمار في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين لتعزيز قدرات الرصد والاستجابة للتهديدات، كما يستوجب الأمر تكثيف الجهود لحماية البنية التحتية الحيوية عبر اختبارات دورية للكشف عن الثغرات الأمنية، وتطبيق إجراءات صارمة للتحكم في الوصول إلى البيانات الحساسة، ويتعين كذلك توسيع نطاق التعاون الدولي من خلال شراكات مع الهيئات العالمية المتخصصة لمشاركة المعلومات وتعزيز تبادل الخبرات في مكافحة الجرائم السيبرانية.
ومن جانب آخر، يجب أن تواكب المنظومة القانونية التحولات التكنولوجية السريعة عبر سن تشريعات أكثر تطورًا لمعالجة التهديدات الجديدة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، كما ينبغي تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري من خلال توسيع برامج التدريب المهني وتقديم الحوافز لاستقطاب الكفاءات في هذا المجال الحيوي.
وقال الصفدي إنه مع استمرار تصاعد التهديدات الإلكترونية، يظل الأمن السيبراني أولوية وطنية تتطلب يقظة مستمرة، وابتكارًا متواصلًا، وتعاونًا وثيقًا بين مختلف الجهات الفاعلة، فمستقبل الأمن الرقمي في الأردن مرهون بمدى قدرة الدولة على التكيف مع التحولات التكنولوجية، وتعزيز القدرات الدفاعية، وترسيخ ثقافة الأمن السيبراني كدعامة أساسية لاستقرارها الرقمي.

