إلى أي مدى سيصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن الموقف الأردني الرسمي، الذي ينسجم تمامًا مع الإجماع العربي، يتمحور حول رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وهو موقف لا يُقرأ بمعزل عن الحراك الدبلوماسي الإقليمي الذي تقوده كل من القاهرة والرياض. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الموقف العربي، الذي سيأخذ طابعًا أكثر تبلورًا في قمة الرياض المرتقبة، يعكس إرادة سياسية تسعى إلى تعطيل أي مساعٍ تستهدف تفريغ غزة من سكانها، سواء عبر ضغوط مباشرة أو عبر هندسة وقائع جديدة على الأرض تخدم المشروع الإسرائيلي – الأمريكي.

وأشار البستنجي إلى أنه لا يمكن تجاهل سيناريوهات التهجير البديلة التي قد تلجأ إليها كل من واشنطن وتل أبيب، حيث يمكن تنفيذ التهجير بأساليب أكثر تعقيدًا عبر نقل الفلسطينيين إلى دول في شرق آسيا، أو أمريكا الشمالية، أو حتى إفريقيا، وذلك من خلال استغلال المطارات والموانئ الإسرائيلية كمنصات عبور.

وذكر أن الولايات المتحدة نفسها قد تستقبل أعدادًا محدودة من الغزيين، وفقًا لما ألمح إليه ترمب، وإن كان ذلك يحتاج إلى وقت أطول لتنفيذه، ورغم أن الإدارة الأمريكية لا تبدو متعجلة في هذا الصدد، فإن التحركات الجارية تشير إلى أن هذا السيناريو يظل قائمًا، ولو على المدى المتوسط، وفقًا لما صرّح به.

ودعا البستنجي إلى ضرورة إعادة توجيه المسار العربي من مرحلة الاكتفاء بالرفض إلى مرحلة أكثر ديناميكية، تقوم على اتخاذ خطوات عملية وسريعة، تبدأ أولًا بتوفير المقومات الأساسية لصمود الفلسطينيين في الداخل، ذلك أن الغزيين يواجهون أوضاعًا إنسانية كارثية، حيث النزوح، والتشرد، والجوع، والبرد في بيئة غير صالحة للحياة، مما يستوجب تحركًا إغاثيًا عاجلًا يهدف إلى تقويض أي ذرائع قد تُستخدم لدفع السكان نحو خيار الهجرة القسرية.

وفي السياق نفسه، يفرض الواقع السياسي في غزة إعادة تقييم جذرية، إذ إن بقاء الفلسطينيين على أرضهم لا يرتبط فقط بالمعادلات العسكرية، وإنما أيضًا بالتحولات السياسية الداخلية، فالتجربة اللبنانية أثبتت أن إعادة هيكلة المشهد السياسي الداخلي تمثل واحدة من أكثر الأدوات فعالية في حماية الكيان المجتمعي من التفكك، ومنع القوى الخارجية من فرض خيارات غير مرغوبة، وفي هذا الإطار، تصبح الحاجة مُلحّة لإعادة ضبط المسار السياسي في غزة، بحيث يُغلَّب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الفصائلية الضيقة، لا سيما أن الاستمرار في تبني نهج الاستعراض والمراهنة على التحالفات غير المضمونة قد يسهم بشكل غير مباشر في تعزيز المخططات الأمريكية - الإسرائيلية، التي تهدف إلى إحداث خلخلة سكانية تدريجية.

أما على المستوى العسكري، فإن التمسك بوقف إطلاق النار يظل خيارًا استراتيجيًا لا بديل عنه، فاستئناف الحرب في هذا التوقيت، بعد الدمار الهائل الذي لحق بغزة وتشريد سكانها، سيكون بمثابة عامل تسريع لتنفيذ مخطط التهجير، إذ إن موجة نزوح جديدة ستتخذ هذه المرة مسارات مختلفة، نحو خارج حدود فلسطين بالكامل. 

وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال المعطيات الميدانية التي تشير إلى أن الاحتلال قد تلقى الضوء الأخضر من ترامب لاستئناف الحرب في حال تم خرق الهدنة، مما يعني أن هامش المناورة بات أكثر ضيقًا، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تترتب عليها تداعيات كارثية، وهذا ما يبدو أن المقاومة تدركه جيدًا، حيث بدأت منذ الليلة الماضية باتخاذ تدابير احترازية، شملت إصدار تعليمات لقادتها وعناصرها بضرورة توخي أقصى درجات الحذر، في ظل التقارير التي تفيد بأن الاحتلال قد يعود إلى التصعيد في أي لحظة.

وفي ظل هذا المشهد شديد التعقيد، أوضح البستنجي أن ترمب جاء مهددًا بفتح "الجحيم" على غزة بحلول يوم السبت الساعة 12 ظهرًا، في حال لم يتم تسليم جميع المختطفين، ليكشف مدى هشاشة الضمانات الأمريكية، التي لم تعد موضع ثقة حتى لدى من راهنوا عليها، فمن المفارقات أن الاحتلال الإسرائيلي، رغم وحشيته، يبدو أكثر التزامًا بالاتفاق مقارنةً بواشنطن، حيث أعلن أنه سيكتفي في المرحلة الحالية بتسلم ثلاثة إلى تسعة مختطفين، وأنه سيواصل احترام الاتفاق وفق ما تم التفاهم عليه، دون الامتثال المطلق لمطالب ترامب، الأمر الذي يعكس حجم الورطة التي يجد الاحتلال نفسه فيها، بعدما اكتشف أنه ينفذ مشروعًا أمريكيًا، وليس بالضرورة مشروعًا يخدم مصالحه الاستراتيجية المباشرة.

ولفت الانتباه إلى أن المنطقة تقترب من مرحلة مفصلية، لن يكون من الممكن تجنب تداعياتها الكارثية إلا عبر تبني رؤية عربية موحدة، مدعومة بآليات تنفيذ واضحة، تتجاوز مرحلة البيانات الدبلوماسية إلى مرحلة فرض الوقائع على الأرض، متابعًا أن المشهد الإقليمي – بخلاف ذلك - قد يكون مقبلًا على سيناريوهات أكثر تعقيدًا، حيث يصبح العبث بمصائر الشعوب هو القاعدة، وليس الاستثناء. 

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير