البراري: ترمب يتحدث وكأنه يتعامل مع أطراف بلا هوية

{title}
أخبار الأردن -

 

سلّط أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حسن البراري الضوء على البُعد الوجودي للتصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دولاند ترمب، متجاوزًا بذلك المفاهيم السياسية التقليدية التي تُسَطِّح الأزمة وتحصرها في دائرة التباينات الدبلوماسية العابرة.

وأوضح لدى حديثه لتلفزيون "العربي"، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن التضامن الشعبي يعد ركيزة أساسية لمجابهة المخططات التي يحاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، فرضها على المنطقة، وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية وإعادة هندسة التوازنات الإقليمية على نحو يتجاهل القواعد الجيوستراتيجية الراسخة.

وبيّن البراري أن طبيعة هذه المواجهة لا يمكن اختزالها في إطار الخلافات السياسية الظرفية، ذلك أنها ترتقي إلى مستوى التهديد الوجودي للأردن والمنظومة الجيوسياسية الإقليمية بأكملها، فالمسألة هنا لا تتعلق بموقف سياسي يمكن إعادة تشكيله استنادًا إلى تفاهمات دبلوماسية أو مقايضات استراتيجية، وإنما هي مسألة تمس جوهر الأمن القومي الأردني، الذي يتداخل مع مسار القضية الفلسطينية.

ونوّه إلى أن أي محاولة لإعادة صياغة الواقع الديموغرافي أو إحداث تغييرات قسرية في البنية الجغرافية للمنطقة ستُفضي حُكمًا إلى اختلالات كارثية في معادلات الاستقرار والتوازنات الإقليمية، مؤكدًا أن الأردن، قيادةً وشعبًا، لم ولن يكون طرفًا في أي مسار يؤول إلى تصفية القضية الفلسطينية أو يُفضي، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى تمرير أجندات التهجير القسري للفلسطينيين.

ولفت البراري الانتباه إلى أن هذا الموقف لا يخضع للمساومة أو التفاوض، فهو ثابت استراتيجي متجذّر في صُلب العقيدة الوطنية الأردنية، التي لطالما شكّلت سدًا منيعًا أمام مشاريع إعادة هندسة المنطقة وفق مقاسات القوى الكبرى.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الأردن لا يقف عند حدود الممانعة السياسية المجردة، فهو يمتلك أدوات ضغط استراتيجية تعزز من موقعه التفاوضي وتُكسبه هامشًا أوسع في المناورة، فمن ناحية، هناك الثوابت الوطنية التي تُرسي قواعد الموقف الأردني، وتؤطّره ضمن رؤية لا تتزعزع، ومن ناحية أخرى، فإن المنظومة العسكرية والأمنية الأردنية تُشكّل عنصر قوة لا يمكن تجاوزه، والأهم من ذلك أن الوجود العسكري الأمريكي في الأردن، المتمثل في انتشار القواعد العسكرية الاستراتيجية، يمنح المملكة قدرة على إعادة تعريف معادلات النفوذ والتأثير، الأمر الذي يفرض على الولايات المتحدة إعادة حساباتها عند التعامل مع المصالح الأردنية في المنطقة، كما قال البراري.

ونوّه إلى أن النهج الذي يتبناه ترمب في هذا السياق، يتسم بقدر عالٍ من العدوانية السياسية، حيث يعكس مقاربة تفاوضية قائمة على تصعيد الخطاب ورفع سقف المطالب إلى مستويات غير مسبوقة، ظنًا منه أن بالإمكان فرض إرادة القوة على معادلة لا تقبل الترويض، غير أن ما يتجاهله ترمب في خضم هذا الجنون السياسي هو أن الأردن ليس كيانًا هشًّا يمكن إخضاعه للإملاءات الخارجية.

واستطرد البراري قائلًا إن جوهر الإشكالية التي يقع فيها ترمب تكمن في محاولته التعامل مع المشهد الإقليمي وكأنه مساحة فراغ سياسي يمكن تطويعه وإعادة تشكيله وفقًا لحسابات أحادية الجانب، متجاهلًا حقيقة أن الأردن يمتلك رصيدًا من الصلابة الاستراتيجية، وأن القضية الفلسطينية ليست مجرد ورقة تفاوضية عابرة يمكن تحريكها كيفما تقتضي المصالح الضيقة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية