الدليل الشامل للتعامل مع ترمب الذي يتعمد إرباك الجميع

قال عضو الحزب الجمهوري الأمريكي بشار جرار إنه لفهم طبيعة التصريحات الجدلية التي يطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، سواء فيما يتعلق بغزة أو الملفات الشائكة الأخرى، لا بد من إدراك أن هذه عودته تمثل انعطافة جوهرية في المشهد السياسي الأمريكي والدولي، فترمب الذي غاب عن البيت الأبيض لأربع سنوات عاد محملًا بروح انتقامية تغذيها قناعة راسخة لديه بأنه كان الرئيس الشرعي في انتخابات 2020.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية هذه العقلية تعززت بحالة نشوة متصاعدة داخل التيارات اليمينية الأمريكية، سواء القومية منها، أو المسيحية، أو اليهودية، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر، الذي مثل نقطة تحوّل في صياغة الخطاب السياسي المحافظ في الولايات المتحدة.
وبيّن جرار أن ترمب اليوم لا يتحرك وفق أجندة سياسية محضة، بقدر ما ينطلق من رؤية ذات طابع شبه عجائبي، حيث يقدّم نفسه كمنقذ تاريخي، يرى في نجاته السياسية نوعًا من "التدخل الإلهي"، الأمر الذي يفسر خطابه الذي يزخر بإشارات دينية مكثفة، تعكس تصوره بأنه مكلف بمهمة "خلاصية"، لا تقتصر على أمريكا فحسب، وإنما تمتد لتشمل "السلام العالمي"، وفق منظوره الخاص.
منطق الصفقة: غزة نموذجًا
لم يحد ترمب في تعامله مع القضية الفلسطينية عن نهجه التقليدي الذي يختزل العلاقات الدولية في مقايضات اقتصادية صارمة، وكما كان موقفه من العراق وسوريا محكومًا بمنطق الربح والخسارة - إذ لطالما تساءل لماذا لم تأخذ أمريكا النفط في العراق أو لماذا تبقى في سوريا إذا لم يكن هناك مردود اقتصادي واضح - فإن مقاربته لغزة تنطلق من نفس الفلسفة، فهو لا يرى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كمسألة حقوق تاريخية أو توازنات إقليمية بقدر ما يعتبره معادلة حسابية يجب أن تُفضي إلى "أقصى المكاسب بأقل التكاليف".
وبناءً عليه، أشار جرار إلى أن أن تهديداته المباشرة وغير المباشرة، سواء لنتنياهو أو لحماس، لم تكن سوى جزء من لعبة تفاوضية مركّبة، يتقنها ترمب باعتماده على إثارة الصخب، وإحداث تشويش استراتيجي، وخلق حالة من الفوضى التي تسمح له بفرض أجندته في اللحظات الحاسمة، وهذا يتضح جليًا في تعامله مع صفقة الأسرى الأخيرة، حيث مارس ضغوطًا مكثفة على إسرائيل لإتمامها وفق رؤيته، مستعيدًا تكتيك ريغان في إدارة أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران خلال عهد كارتر.
إدارة ملفات الضغط المتشابكة
لكن ترمب لا يكتفي بخلق الجدل في ملف واحد، فهو يعتمد على سياسة "التفاوض الفوضوي متعدد الطبقات"، حيث يحرّك ملفات عدة في وقت واحد، بهدف إرباك خصومه ودفعهم إلى التفاوض من موقع ضعف، فبينما كان يثير عاصفة إعلامية حول غزة، كان في الوقت ذاته يوجّه رسائل تفاوضية غير مباشرة إلى الصين بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية، ويمارس ضغوطًا على الناتو، ويربط بين أمن الحدود الجنوبية للولايات المتحدة والمكسيك، في محاولة لإعادة صياغة الأولويات الجيوسياسية بما يخدم مصالحه، وفقًا لما قال جرار لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ومن هنا، تأتي أهمية الشخصيات التي يعتمد عليها في تنفيذ استراتيجيته. فمثلًا، اختياره لمورغان أورتيغس - وهي محللة استخبارية عملت في وزارتيّ الخارجية والمالية، ووكالة التنمية الأمريكية، والسفارة الأمريكية في بغداد، كمبعوثة للشرق الأوسط، يعكس رغبة في توظيف خبرات استخبارية داخل القنوات الدبلوماسية، فهي، التي تحولت من المسيحية إلى اليهودية، تعد إحدى أكثر الشخصيات المتحمسة لدعم إسرائيل، وهو ما يفسر تحركاتها الأخيرة، مثل لقائها مع الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، وحرصها على تشكيل حكومة لبنانية لا تضم حزب الله، في خطوة تهدف إلى إعادة رسم التوازنات في المنطقة.
السلطة الفلسطينية تحت الضغط
في سياق الضغط المتعدد المستويات، لم يكن مفاجئًا أن يعيد ترمب إحياء سياسته القديمة تجاه السلطة الفلسطينية، والتي تقوم على مبدأ "ادفع لمن ذبح"، فقد كرر موقفه الرافض لأي تمويل أمريكي يصل إلى الفلسطينيين طالما أنه يُستخدم في مكافأة منفذي العمليات ضد الإسرائيليين، وهو ذات الطرح الذي استند إليه خلال ولايته الأولى عندما قطع علاقاته مع منظمة التحرير الفلسطينية.
هذه الاستراتيجية تهدف إلى فرض واقع اقتصادي ضاغط، يجبر القيادة الفلسطينية على تقديم تنازلات سياسية تتماشى مع الرؤية الأمريكية -الإسرائيلية، في ظل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل، التي حصلت على دعم عسكري أمريكي نوعي، تمثل في تزويدها بالقنابل MK-84 وMK-82، ما يعكس رغبة واشنطن في إطالة أمد العمليات العسكرية ضد حماس، دون التورط المباشر في الصراع.
ترمب والإعلام
ولفت جرار الانتباه إلى أن ترمب يقوم بإدارة الملفات السياسية والعسكرية، من خلال استعراض إعلامي استثنائي، حيث يوظف الأحداث الكبرى كأدوات دعائية لتعزيز صورته القيادية، فقد وقع مرسومًا تنفيذيًا أثناء تحليقه فوق المياه الإقليمية، في مشهد درامي يهدف إلى تركيز الأضواء عليه، حتى وصفته بعض القنوات الأمريكية بـ"المنتج والمخرج السياسي"، وليس مجرد سياسي تقليدي، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية الإعلامية تُستخدم بذكاء في توقيتات حساسة، مثل قراره بحضور السوبر بول، وهو الحدث الرياضي الأهم في الولايات المتحدة، وذلك في خطوة مدروسة لاستثمار اللحظة السياسية في تعزيز تواصله مع القاعدة الشعبية.
القمتان المرتقبتان
في ظل هذه الديناميكيات المعقدة، تتجه الأنظار إلى القمتين الحاسمتين بين ترامب وكلٍّ من الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي، فهما ترغبان في إعادة ضبط ميزان القوى الإقليمي، في ظل تزايد الضغوط الأمريكية – الإسرائيلية، وكلا البلدين حدد "خطًا أحمر" واضحًا ضد أي مشاريع تهجير قسري للفلسطينيين، وهو موقف يحظى بزخم متزايد قبيل القمة العربية الطارئة، التي يُتوقع أن تشهد تنسيقًا عربيًا رفيع المستوى لمواجهة السيناريوهات المطروحة.
ترمب واستراتيجية الإرباك المتعمد
واستطرد جرار قائلًا إنه وخلافًا للمقولة التقليدية التي تفترض أن "الهدوء يسبق العاصفة"، يتبنى ترمب منهجًا معاكسًا، حيث يُشعل العاصفة أولًا، ثم يتحرك لإعادة ترتيب الأوراق وفق شروطه، وهذه المقاربة، التي تعتمد على خلق حالة من الإرباك المتعمد، تمثل ركيزة أساسية في استراتيجيته السياسية، التي تراهن على أن الفوضى المؤقتة تمنحه قدرة تفاوضية أعلى، وتمكّنه من فرض واقع جديد، قبل أن تتبلور معادلات رد الفعل.
واختتم حديثه بالقول إن ترمب لا يمارس السياسة بوصفها إدارة للأزمات، بقدر ما هي إنتاج متكامل لحالة من الصخب الاستراتيجي، حيث يتحرك كمنتج، ومخرج، ولاعب أساسي في آن واحد، في مشهد لا تزال تفاصيله قيد التشكل.