المعادلة الأردنية بين الثوابت والمناورات... الرداد يوضح لـ"أخبار الأردن"

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن المخاوف التي أثارتها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكتسب بعدًا بالغ الجدية، لا سيما فيما يتعلق بمسألة التهجير القسري للفلسطينيين، والمقترحات التي تتحدث عن شراء غزة أو إنشاء مدن بديلة لسكان القطاع خارج أراضيهم الأصلية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن، وبفضل قيادته الواعية ونهجه القائم على الحكمة السياسية، يتعامل مع هذه التحديات وفق مقاربة متزنة تستند إلى مبدأ "لا تهوين ولا تهويل"، فمن جهة، يدرك صانع القرار الأردني خطورة الطروحات التي يتم تداولها في الأوساط السياسية الإسرائيلية بدعم من إدارة ترامب، ومن جهة أخرى، يحرص على إدارة الأزمة بواقعية سياسية تضمن عدم الانجرار إلى ردود أفعال متسرعة أو انفعالية.

وبيّن الرداد أن التعاطي الأردني مع هذه التطورات يعكس منهجية استراتيجية تقوم على قراءة معمقة للمشهد السياسي الدولي والإقليمي، وتأخذ في الاعتبار كافة الأبعاد الجيوسياسية، دون الانجراف نحو الخطاب الشعبوي أو تبني ردود أفعال غير محسوبة، ومن هذا المنطلق، يحرص الأردن على إبقاء تفاصيل تحركاته ضمن نطاق الدبلوماسية الهادئة، بعيدًا عن التصريحات الإعلامية الصاخبة التي قد تقلل من فاعلية موقفه وتحدّ من خياراته على المدى البعيد.

وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة أن الأردن قد تبنى موقفًا حازمًا برفض أي مشروع يهدف إلى إعادة هندسة التركيبة السكانية في المنطقة عبر التهجير القسري للفلسطينيين، وهو موقف ليس وليد اللحظة أو مجرد رد فعل آني، وإنما امتداد لنهج ثابت يعكس التزام الأردن التاريخي بالقضية الفلسطينية، وهذا الالتزام يتجلى عمليًا من خلال الدعم المستمر الذي تقدمه عمّان للجهود الإغاثية والإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إدراكًا منها بأن الصمود الفلسطيني على الأرض هو حجر الزاوية في مواجهة المشاريع الإسرائيلية الرامية إلى فرض وقائع جديدة تخدم أجندتها التوسعية، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، نوّه إلى أن الأردن لم يكن غافلًا عن احتمالات تصعيد الضغوط الأمريكية عبر تقليص أو تعليق المساعدات، ولذلك سعى إلى تنويع علاقاته الاقتصادية وتعزيز شراكاته الإقليمية والدولية، بما يضمن تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية كأداة ضغط سياسي، وتجسيدًا لهذا التوجه، جاءت التصريحات الحازمة التي أدلى بها وزير الخارجية الأردني، والتي أكد فيها أن أي محاولة لفرض تهجير قسري من الضفة الغربية باتجاه الأراضي الأردنية ستُعدّ بمثابة إعلان حرب، وسيتم التعامل معها بكافة الوسائل المتاحة، سواء عبر المسار الدبلوماسي أو، إذا لزم الأمر، من خلال إجراءات حاسمة تتناسب مع حجم التهديد.

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، فإن النهج الأردني يقوم على إدراك عميق لطبيعة ديناميكيات صنع القرار في واشنطن، حيث لا يتمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة، بل تخضع قراراته لموازين القوى داخل الكونغرس والمؤسسات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، وقد أثبتت التجارب السابقة أن العديد من السياسات التي يتبناها الرؤساء الأمريكيون قد تواجه معارضة داخلية تحدّ من إمكانية تنفيذها على أرض الواقع، وهو ما يدركه الأردن جيدًا ويستثمره بذكاء في توجيه مواقفه وتكتيكاته الدبلوماسية.

وفي هذا الإطار، شدد الرداد على أنه لا يمكن إغفال أهمية شبكة العلاقات التي طوّرها الأردن داخل ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، حيث يحافظ على تواصل مستمر مع مراكز صنع القرار، ويحرص على إيصال رسائله إلى المسؤولين الأمريكيين المؤثرين بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، وقد تجلى ذلك بوضوح في اللقاءات التي عقدها جلالة الملك عبد الله الثاني مع كبار المسؤولين الأمريكيين، والتي شكلت فرصة لاطلاعهم على التداعيات الخطيرة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية على استقرار المنطقة، وخصوصًا على الأردن ومصر، باعتبارهما الدولتين اللتين تتأثران مباشرة بأي تصعيد على الساحة الفلسطينية.

إلى جانب ذلك، فإن الموقف الأردني يستند إلى ركيزة عربية مهمة، إذ يدرك الأردن أن التنسيق مع العواصم العربية الكبرى يشكل عنصر قوة إضافي في مواجهة التحديات الراهنة، فرغم التعقيدات التي تواجه العمل العربي المشترك، إلا أن الموقف العربي من القضية الفلسطينية شهد في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا، كما يتجلى في التصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية السعودية، والتي أكدت التزام المملكة بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وربط أي تطبيع محتمل مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهذا الموقف السعودي الصريح يضيف زخمًا إلى الموقف الأردني، ويعزز من قدرة عمّان على المناورة السياسية، خاصة في ظل المكانة الإقليمية للسعودية ودورها المؤثر في صياغة التوجهات العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية.

وبناءً على ما سبق، فإن القمة العربية المقبلة تحمل أهمية خاصة بالنسبة للأردن، حيث من المتوقع أن تشهد نقاشات معمقة حول التطورات الراهنة، مع التركيز على ضرورة توحيد الصف العربي لمواجهة التحديات الناجمة عن السياسات الأمريكية والإسرائيلية، كما أن هذه القمة قد تشكل فرصة لإعادة التأكيد على الموقف العربي المشترك، بما يبعث برسالة واضحة إلى واشنطن وتل أبيب مفادها أن أي محاولة لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية في المنطقة ستواجه رفضًا قاطعًا، كما أفاد الرداد.

وأشار إلى أن اللقاء المرتقب بين جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس ترامب، قد لا يحمل مفاجآت كبرى، ذلك أن كلا الطرفين يدركان مسبقًا طبيعة المواقف وحدود التنازلات الممكنة، فالأردن على يقين بأن سياساته تستند إلى خطوط حمراء غير قابلة للتجاوز، في حين يدرك ترامب أن هامش المناورة أمامه ليس مفتوحًا على مصراعيه، نظرًا للتوازنات الداخلية والخارجية التي تحكم إدارته، وعليه، فمن المرجح أن يكون اللقاء محكومًا بالعبارات الدبلوماسية التقليدية، مع احتمال أن يسعى ترامب إلى تخفيف حدة خطابه المعتاد، دون أن يعني ذلك حدوث تغيير جوهري في مسار القضايا الخلافية، التي ستبقى بحاجة إلى مزيد من الوقت والجهود الحثيثة لتجاوز العقبات وإيجاد مقاربات أكثر انسجامًا مع مقتضيات الواقع السياسي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير