أبو طير: إسرائيل تلجأ للتحرش السياسي

{title}
أخبار الأردن -

قال مستشار شؤون الأزمات، ماهر أبو طير، إنّ الحرب الجارية على قطاع غزة، ومنذ لحظاتها الأولى، لم تكن معركة موجهة حصريًا ضد حركة "حماس"، كما تحاول الدعاية الإسرائيلية ترويجه، ذلك أنها تندرج ضمن مقاربة أوسع تتجاوز نطاق المواجهة العسكرية مع فصيل بعينه، لتستهدف البنية الديموغرافية، والسياسية، والوجودية للشعب الفلسطيني برمّته. 

وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه من غير المنطقي، وفقًا للمعايير العسكرية التقليدية، أن تسفر "حربٌ على تنظيم" عن تدميرٍ شبه كاملٍ للبنية التحتية المدنية، وإبادة عشرات الآلاف، وإصابة مئات الآلاف، فضلًا عن التهجير القسري لملايين المدنيين، وإدخال مجتمع بأكمله في أتون المجاعة والفوضى الإنسانية.

وفي هذا السياق، بيّن أبو طير أن هذه الحرب ليست سوى محطة ضمن مشروع استراتيجي إسرائيلي أوسع نطاقًا، يستند إلى توظيف أحداث السابع من أكتوبر كذريعةٍ لإعادة هندسة المشهد الديموغرافي للفلسطينيين، بما يتجاوز قطاع غزة ليشمل الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948، حيث تتبدّى ملامح هذا المخطط في استمرار العمليات العسكرية لفترةٍ زمنيةٍ غير مسبوقة، مع إبقاء خيار استئنافها مطروحًا في أي وقت، بما يؤشر إلى نيةٍ مبيّتة لفرض تغييرات جوهرية على خارطة الوجود الفلسطيني.

وفي ضوء ذلك، يُثار تساؤل جوهري حول المدى الذي تسعى إسرائيل إلى بلوغه في إعادة رسم الخريطة السكانية لفلسطين التاريخية، فثمة مؤشراتٌ متزايدة على أن تل أبيب باتت تنظر إلى الظرف الراهن كنافذةٍ تاريخيةٍ لتنفيذ ما عجزت عن تحقيقه خلال العقود الماضية، حيث يجري تداول سيناريوهات تتعلق بترحيل الفلسطينيين من الداخل المحتل إلى سوريا ولبنان، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، ومن غزة إلى سيناء، في إطار ما يمكن وصفه بأنه "إعادة توزيع قسرية" للسكان الفلسطينيين، استنادًا إلى قناعةٍ مترسخة لدى صانعي القرار الإسرائيليين بأن ميزان القوى الراهن يتيح فرض مثل هذه الوقائع دون تكبّد أثمان سياسية كبرى، وفقًا لما صرّح به أبو طير. 

وفي هذا الإطار، استشهد بتكرار تصريحات بعض الدوائر الأمريكية حول فكرة التهجير، حيث طُرحت مقترحاتٌ تتراوح بين إعادة توطين الفلسطينيين في الأردن، ومصر، وإندونيسيا، فيما جاءت المبادرة السعودية بإقامة دولة فلسطينية، غير أن رئيس وزراء الاحتلال قابلها باستخفافٍ متعمد، عبر اقتراحٍ ساخرٍ بأن تكون هذه الدولة على الأراضي السعودية نفسها، وهو طرحٌ لا يخلو من نوايا استفزازية تستهدف المساس بمكانة المملكة ذات الرمزية الدينية والسياسية العميقة في العالمين العربي والإسلامي.

"التحرش السياسي" الإسرائيلي وتحديات فرض الوقائع بالقوة

وهنا يبرز تساؤل أكثر تعقيدًا: ما تكلفة هذا "التحرش السياسي" الذي تمارسه إسرائيل؟... وما انعكاساته على المشهد الإقليمي؟... فمن البديهي أن المساس بالمملكة العربية السعودية، باعتبارها قطبًا اقتصاديًا ودينيًا، يعني استثارة ردود فعل واسعة، إذ لا يمكن النظر إلى أي مخطط لترحيل الفلسطينيين صوب أراضيها إلا كتصعيد بالغ الخطورة، يفتح الباب أمام سيناريوهات غير محسوبة العواقب، فهل تعتقد إسرائيل فعلًا أن بإمكانها فرض هذا المسار بالقوة؟... وهل تمتلك القدرة على التعامل مع تداعياته الإقليمية والدولية؟.

وعلى الرغم من الطابع العدواني لهذه الطروحات، ذكر أبو طير أن تصور تنفيذ سيناريوهات التهجير الجماعي بهذا الشكل ينطوي على قدرٍ كبيرٍ من الوهم السياسي، إذ لا يمكن ببساطة إجبار سكان غزة على مغادرة القطاع وركوب السفن، حتى في ظل أقسى الظروف. وحتى لو فُرض ذلك، فإن النسبة التي قد تستجيب لهذه الضغوط ستبقى محدودة، بينما سيظلّ غالبية السكان متمسكين بأرضهم، خصوصًا أن قطاع غزة، رغم ما تعرض له من حصارٍ وتجويعٍ وتدمير، لم يشهد هجرات جماعية تذكر.

أما في الضفة الغربية، فالأمر لا يقل تعقيدًا، إذ إن محاولة حشد الفلسطينيين في شاحنات لنقلهم قسرًا إلى الأردن ليس فقط إجراءً مستحيل التطبيق، بل إنه كفيل بإشعال أزمة إقليمية شاملة، بالنظر إلى الأبعاد الأمنية، والسياسية، والاقتصادية التي يحملها هذا السيناريو، لا سيما في ظل ما يمثله الأردن من توازنٍ استراتيجي في المنطقة.

الأبعاد الجيوسياسية وتداعيات زعزعة الأردن

وفي هذا الصدد، نبّه أبو طير إلى أن أي تحرك بهذا الاتجاه من شأنه أن يزعزع استقرار الأردن بصورة غير مسبوقة، سواء من خلال الضغط الديموغرافي المتزايد، أو التداعيات الاقتصادية، أو حتى المخاطر الأمنية التي قد تنشأ نتيجة إعادة تشكيل المشهد السكاني في الضفة الغربية، ومما يزيد من حساسية الوضع، أن الأردن، في ضوء المتغيرات الإقليمية الأخيرة، بات يُشكّل الجار العربي الثاني لإيران بعد العراق، التي تخضع بدورها لنفوذ المنظومة الإيرانية، وهو ما يعني أن أي تفكيك للمنظومة الأمنية في الأردن قد يفتح المجال أمام تدخلات إقليمية غير محسوبة، ما قد يحوّله إلى ساحة صراع جديدة في المنطقة، بكل ما يحمله ذلك من تعقيدات استراتيجية.

التذبذب الأمريكي إزاء التهجير ومآلات المشروع الإسرائيلي

أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، فقد أشار أبو طير إلى أن المواقف الصادرة عن واشنطن بشأن التهجير تنطوي على قدرٍ من التذبذب، إذ صدرت تصريحاتٌ واضحة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تدعم ترحيل الفلسطينيين، قبل أن تشهد هذه المواقف تراجعًا نسبيًا في بعض التصريحات اللاحقة، لتُعاد صياغتها لاحقًا بصيغ أكثر دبلوماسية، مثل الحديث عن "إعادة التوطين" بدلاً من التهجير القسري، أو "المعالجة المرحلية" للملف السكاني الفلسطيني.

إلا أن جوهر المسألة، وفقًا لأبو طير، يكمن في أن كل هذه الطروحات، سواء أُعلن عنها بصراحة أو تم التلميح إليها بعبارات ملتوية، تصبّ في إطار مخططٍ قديم يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي، غير أن هذا السيناريو يصطدم بواقعٍ ثابت، وهو أن الشعب الفلسطيني، رغم العقود الطويلة من الاحتلال والتضييق، لا يزال متمسكًا بأرضه، وأي محاولة لاجتثاثه بالقوة لن تؤدي إلا إلى تصعيد المواجهة وإشعال مزيد من التوترات التي لن تقتصر تداعياتها على فلسطين وحدها، بل ستمتد إلى عموم المنطقة، وربما أبعد من ذلك.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية