البستنجي لـ"أخبار الأردن": خطاب ترامب كشف الكثير عمَّا ينتظر غزة

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تظهر أن الخطة الأميركية لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في قطاع غزة قد تجاوزت نطاق المناورة السياسية التقليدية إلى تبنّي مقاربة تنفيذية ممنهجة، تستند إلى آليات واضحة تضمن تحقيق أهدافها بعيدة المدى.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يثير الانتباه في هذا السياق هو طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية مع مثل هذا النوع من الطرح، والتي تُوحي بأن ما يجري خلف الأبواب المغلقة قد يختلف جذريًا عما يتم تداوله في الخطاب العلني لبعض الأطراف الفاعلة.

وبيّن البستنجي أن ترامب شدد على أن إدارته ليست تحت وطأة أي ضغوط تُجبرها على التعجيل بتنفيذ الخطة، لكنه في الوقت ذاته أقرّ بأن إعادة إعمار غزة ليست سوى جزء من استراتيجية أكثر شمولًا تهدف إلى تغيير المشهد الديموغرافي والسياسي للقطاع، فمنظور واشنطن، كما يظهر من تصريحاته، لا يأبه بالبعد الإنساني المزعوم، ويهتم بترسيخ وقائع جديدة على الأرض، من شأنها إحداث تحول جوهري في طبيعة التوازنات الإقليمية.

ولفت الانتباه إلى أن جوهر هذه الخطة يتمحور حول إعادة صياغة هوية غزة ووظيفتها الجيوسياسية، بحيث تتحول من بؤرة صراع مزمنة إلى نقطة ارتكاز اقتصادية، تُدار بواسطة أطراف موالية لواشنطن، فيما تُناط بإسرائيل مسؤولية الإشراف الأمني المباشر، ومن خلال هذه المقاربة، تسعى الإدارة الأميركية إلى فرض معادلة تضمن، من جهة، تحييد التهديدات الأمنية المزعومة التي تشكلها غزة على إسرائيل، ومن جهة أخرى، توظيف الموقع الاستراتيجي للقطاع في خدمة مشروع إقليمي أوسع، يعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة وفق الأولويات الأميركية – الإسرائيلية.

وفي إطار تحقيق هذه الأهداف، يُنظر إلى تخفيف الكثافة السكانية للقطاع كضرورة حتمية، إذ تسعى الخطة إلى إعادة توزيع سكان غزة خارجها، تحت ذرائع إنسانية وتنموية، لكنها في جوهرها ترمي إلى إحداث تغيير ديموغرافي ممنهج، يضمن عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين مستقبلاً، ويحول دون إعادة إنتاج الديناميات التي أبقت القضية الفلسطينية في صدارة المشهد السياسي الإقليمي لعقود، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

أما فيما يتعلق بالجانب الأمني، فقد أكد ترامب عدم انخراط واشنطن عسكريًا بشكل مباشر، ذلك أنها ستوكل المهمة الأمنية لإسرائيل، في تأكيد على خضوع قطاع غزة لسيطرة تل أبيب، حتى وإن أُعيد تشكيله إداريًا أو اقتصاديًا وفق تصورات جديدة، ما رؤية أوسع تتجاوز حدود القطاع نفسه، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة الترتيبات الأمنية في المنطقة بحيث تصبح تل أبيب المحور الأساسي في إدارة الأمن الإقليمي، مع منحها تفويضًا غير معلن لممارسة دور القوة الضامنة للاستقرار وفق التعريف الأميركي – الإسرائيلي لهذا المفهوم.

واستطرد البستنجي قائلًا إن السؤال عن طبيعة النقاشات الجارية حول هذه الخطة، أجبر ترامب على القول بأن الطرح يحظى بـ"استقبال جيد للغاية"، وهي عبارة قد تبدو مبهمة لكنها تحمل دلالات عميقة، إذ تشير إلى أن هناك توافقات تُبنى في الخفاء، بعيدًا عن التصريحات العلنية لبعض الأطراف التي قد تبدو رافضة للخطة ظاهريًا، لكنها في الوقت ذاته تنخرط في ترتيبات تضمن تمريرها بشكل أو بآخر.

ونوّه البستنجي إلى أن القراءة الاستراتيجية لهذه التطورات تكشف أن المخطط الأميركي – الإسرائيلي لا يستهدف غزة في حد ذاتها، وإنما يندرج ضمن مشروع أوسع يهدف إلى إعادة رسم المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط بأسره، فإعادة هيكلة غزة ليست سوى حلقة ضمن سلسلة تحولات تسعى واشنطن وتل أبيب إلى فرضها كأمر واقع، ضمن مساعٍ لإعادة تعريف خارطة النفوذ الإقليمي، وإعادة ضبط المعادلات السياسية بما ينسجم مع الأولويات الاستراتيجية لكلا الطرفين.

وفي ظل هذه المعطيات، فإن التعامل مع هذه الخطة بوصفها مجرد طرح أميركي تقليدي يتجاهل طبيعتها البنيوية، التي تستهدف إعادة إنتاج الواقع وفق رؤية جديدة، قد يؤدي إلى استنتاجات قاصرة عن الإحاطة بحجم التحديات التي يفرضها هذا المشروع، ولذلك، فإن أي مقاربة للتعامل مع هذه التغيرات تستدعي العمل على تفكيك مرتكزاتها المفاهيمية، وتقديم سردية بديلة تستند إلى معطيات الواقع وموازين القوى الحقيقية.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية