هل الأردن قادر على رفض التهجير؟... العين المعشر يجيب

قال عضو مجلس الأعيان رجائي المعشر في إجابته على سؤال ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمتلك القدرة على فرض التهجير، إلى جانب فرص الأردن التي ستمكنه من التصدي لمثل هذا السيناريو، إن هذان تساؤلان يتقاطع فيهما البعد السياسي مع الاعتبارات الجيوستراتيجية، وتتعاضد فيهما المحددات الإقليمية مع التوازنات الدولية.
وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن جلالة الملك أعاد التأكيد على الثوابت الأردنية التي تكرّست عبر العقود ولم تكن يومًا خاضعة لمتغيرات الإدارات الأمريكية، بقدر ما كانت انعكاسًا لمصالح وطنية عليا لا تقبل المساومة، ولعل أبرز هذه الثوابت يتمثل في الرفض المطلق لفكرة الوطن البديل، إذ إن الأردن، بوصفه كيانًا سياديًا راسخًا، لا يمكن أن يكون امتدادًا أو بديلًا عن دولة أخرى، ما يجعل أي محاولة لفرض هذا التصور تتناقض مع أبسط مبادئ الشرعية الدولية.
ومن جهة أخرى، تظل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس حقيقة سياسية وتاريخية غير قابلة للتغيير، إذ إنها مسؤولية ترتكز على شرعية تاريخية وقانونية تؤطر الدور الأردني في القدس ضمن سياق إقليمي ودولي معترف به، أما التهجير القسري، فإنه لا يعدّ فقط خرقًا للقوانين الدولية واعتداءً على حقوق الإنسان، وإنما يشكل تهديدًا وجوديًا للأمن القومي الأردني، ذلك أن أي محاولة لفرضه من شأنها أن تؤدي إلى تداعيات كارثية تتجاوز حدود الجغرافيا الأردنية إلى الإقليم بأسره.، وفقًا لما صرح به العين المعشر.
وبيّن أن الأردن لا يواجه هذا التحدي في سياق مماثل لما كان عليه الوضع عام 2016، حين كانت التوازنات الدولية توفر نوعًا من التعددية القطبية التي أتاحت هامشًا أوسع للحركة السياسية، فقد كان النفوذ الروسي حاضرًا بقوة، وكانت إيران تمتلك أوراق ضغط إقليمية أكثر تأثيرًا، في حين كان الوجود الأمريكي في المنطقة موجهًا بالأساس نحو مكافحة الإرهاب والتعامل مع الملفات الأمنية المرتبطة بتنظيم داعش، أما اليوم، فقد أفرزت المتغيرات الجيوسياسية واقعًا مختلفًا، إذ إن النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان بات يعاني من انكماش واضح، بينما أصبح الوجود الروسي أكثر تراجعًا نتيجة الانشغال بحرب أوكرانيا وما استتبعها من استنزاف استراتيجي، وفي المقابل، تعززت الهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية على الإقليم، مستندةً إلى تحولات عميقة عززتها الحرب الأخيرة على غزة وجنوب لبنان، والاحتلال الإسرائيلي المستمر لأجزاء من سوريا، ما أدى إلى إعادة تشكيل موازين القوى لصالح المحور الأمريكي - الإسرائيلي على نحو أكثر حدة ووضوحًا.
واستطرد العين المعشر قائلًا إن التساؤل حول قدرة الأردن على رفض التهجير مرهونًا بما يمتلكه من أدوات سياسية ودبلوماسية واستراتيجية تتيح له المناورة في بيئة إقليمية غير مواتية، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يضطلع به جلالة الملك، فحضوره الدبلوماسي المتميز ومصداقيته العالية في الأوساط الدولية يمكّنانه من التحرك بفاعلية ضمن منظومة التوازنات الدولية لكبح أي محاولات لفرض حلول قسرية لا تتماشى مع المصالح الأردنية، وإلى جانب ذلك، فإن التحالفات التي نسجها الأردن عبر العقود تظل إحدى ركائز قوته، إذ إنها تمكّنه من توظيف قنواته الدبلوماسية لإحباط أي سيناريوهات من شأنها أن تمس بسيادته الوطنية.
وإذا كان الأردن، بحكم موقعه الجيوسياسي، يدرك أن أدوات القوة لا تقتصر على البعد العسكري وحده، فإن امتلاكه لرؤية استراتيجية واضحة يجعله قادرًا على توظيف عناصر قوته الداخلية والخارجية لمواجهة التحديات التي تعترضه، فمن الناحية الداخلية، يشكل التماسك الوطني والوعي الشعبي حصنًا منيعًا ضد أي محاولات لزعزعة الاستقرار، في حين أن من الناحية الإقليمية، لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الأردن كفاعل أساسي في المعادلة الإقليمية، إذ إن أي محاولة للمساس بأمنه واستقراره ستؤدي إلى تداعيات إقليمية معقدة لا يمكن احتواؤها بسهولة.
ولفت الانتباه إلى أن الأردن، ورغم كل الضغوط، لا يزال في موقع يمكّنه من التمسك بثوابته ورفض أي محاولات للمساس بسيادته، مستندًا إلى قوة موقفه السياسي، وعمق تحالفاته، وصلابة جبهته الداخلية، مما يتيح له هامشًا من المناورة يحول دون فرض واقع لا يخدم مصالحه الاستراتيجية، فالأردن، ممثلًا بجلالة الملك، يتمتع بعلاقات متشابكة ومتينة مع الداخل الأمريكي، إذ تمتد قنوات الاتصال لتشمل الكونغرس، والإدارة الأمريكية، ومؤسسات الدولة المختلفة، فضلًا عن العلاقة المباشرة مع الرئيس الأمريكي الذي يشغل البيت الأبيض.
ولتوضيح هذا التأثير، يمكن العودة إلى ما حدث في السابع من أكتوبر عام 2023، عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، واصطف العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بشكل شبه مطلق إلى جانب إسرائيل، وفي ذلك الوقت، تم توصيف عملية السابع من أكتوبر باعتبارها "عملًا إرهابيًا" استهدف الكيان الإسرائيلي، ما أدى إلى اصطفاف الدول الغربية في موقف داعم لإسرائيل دون أي توازن أو مراجعة للحقائق على الأرض، وبينما كان هذا هو المشهد العام، برز صوت واحد متفرد خارج هذا الإجماع الدولي، وهو صوت جلالة الملك، الذي شدد منذ اللحظات الأولى على ضرورة وقف الحرب، ورفض أي محاولات للتهجير القسري، مع التأكيد على ضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة دون انقطاع، ولم يكتفِ بذلك، فقد شدد أيضًا على ضرورة إطلاق عملية سياسية جادة تفضي إلى حل الدولتين، محذرًا من ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في العالم العربي، مقارنةً بدول أخرى، وفقًا لما تناوله العين المعشر.
ونوّه إلى أن هذا الحراك لا يعد أمرًا طارئًا أو استثنائيًا في السياسة الأردنية، إذ لطالما واجه الأردن تحديات جسامًا، وكان قادرًا، رغم الضغوط والتهديدات، على التمسك بثوابته ومبادئه الراسخة، وإذا كانت بعض الجهات تلوّح بقطع المساعدات كوسيلة للضغط، فإن الأردن أثبت مرارًا أنه مستعد لتحمل التبعات، وأن شعبه لديه من الوعي والقدرة على الصمود ما يؤهله للتضحية في سبيل الحفاظ على سيادة قراره الوطني، ومن هنا، فإن حالة القلق التي تسود الأوساط الأردنية اليوم لا تعبّر عن خوف بقدر ما تعكس إدراكًا لحجم التحديات المقبلة، مع وعي تام بضرورة التعامل معها بحكمة واستراتيجية محسوبة.