الأعور لـ"أخبار الأردن": ترامب ينظر لغزة وكأنها أحد أصوله العقارية
قال خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أطلق خلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تصريحًا ينطوي على تصعيد خطير، معلنًا عزمه العمل على إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه بصورة نهائية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الطرح، الذي لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق النزعات الاستعمارية المتجددة، يمثل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، ويصنَّف، بلا مواربة، ضمن جرائم الحرب وفقًا للشرائع الدولية والمواثيق الأممية.
وبيّن الأعور أن هذا الطرح في جوهره، ينظر إليه على أنه إعادة إنتاج لسياسات التطهير العرقي في أبشع صورها، في تحدٍّ صارخ للأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة، فما يطرحه ترامب يعكس نزعة استعمارية محدثة تتكئ على فلسفة "التفوق الحضاري"، تلك الأيديولوجيا التي لطالما بررت عبر التاريخ عمليات التهجير القسري وإعادة هندسة الديموغرافيا بما يخدم مشاريع السيطرة، بيد أن الواقع يبرهن، بوضوح لا لبس فيه، أن الفلسطينيين لم ولن يكونوا وقودًا لمشاريع الإبادة السياسية أو التلاعب بالخرائط السكانية.
وأشار إلى أن عودة نصف مليون فلسطيني من دير البلح جنوبًا إلى جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، رغم حجم الدمار المهول، رد فعل مقاومة واعٍ وإعلان قاطع بفشل مخطط ترامب قبل أن يولد، إذ إنها إعادة تكريس للهوية الوطنية وترسيخ لارتباط الفلسطيني بأرضه بوصفها امتدادًا وجوديًا لا يقبل المساومة.
ولفت الأعور الانتباه إلى أن ما يزيد الطرح الأمريكي خطورةً هو الاستخفاف المطلق الذي يبديه ترامب إزاء تعقيدات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ يتعامل مع غزة كما لو كانت أحد أصوله العقارية في لوس أنجلوس، متناسيًا أن غزة ليست عقارًا قابلًا للبيع أو المقايضة، وليست مساحةً خالية تنتظر مستثمرًا عابرًا، فقراره المتخبط، الهادف إلى تفريغ القطاع وتحويله إلى منتجع سياحي، يعكس جهلًا فادحًا بطبيعة المشهد الجيوسياسي، ويؤكد غياب أي فهم حقيقي للعوامل التي حكمت هذا الصراع على مدى قرنٍ من الزمان.
ومع ذلك، يدرك الفلسطينيون جيدًا أن هذه المخططات، مهما اتسمت ببطشها، ليست قدرًا محتومًا، وأن مقاومة هذا المشروع لا تتوقف عند حدود الرفض اللفظي، وإنما تتجسد في التشبث الفعلي بكل شبر من الأرض، وفي إعادة بناء ما دمره العدوان مرارًا وتكرارًا، وفقًا لما قاله لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار الأعور إلى أن الوقت لم يطل حتى جاء الرد الفلسطيني على هذا المشروع، لا من خلال بيانات سياسية أو استنكارات دبلوماسية، وإنما عبر الفعل الميداني المباشر، فعملية "تياسير"، التي أسفرت عن مقتل ضابطين إسرائيليين، كانت رسالة استراتيجية مكثفة المضامين، وتؤكد أن تهديدات التهجير لن تمر دون مقاومة، وأن غزة ليست لقمة سائغة في فم المشاريع الاستعمارية.
وفي مشهد يحمل دلالات رمزية عميقة، خرج نصف مليون فلسطيني في وداع مشروع ترامب قبل أن يعودوا إلى بيوتهم المدمرة في جباليا وبيت حانون، كأنما يعلنون، بأجسادهم المتعبة وأرواحهم المتشبثة بالأمل، أن هذا المشروع ولد ميتًا، ولن يُكتب له النجاح، تمامًا كما فشلت مشاريع التوطين التي حاولت فرضها القوى الاستعمارية في خمسينيات القرن الماضي، فاليوم، كما بالأمس، تُثبت غزة أنها ليست أرضًا قابلة للإخلاء، ولا شعبها مادةً طيّعة لمخططات الاقتلاع، كما صرّح الأعور لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن ترامب، الذي يعيد تدوير خطاب الغطرسة والهيمنة، اختار عنوان المرحلة المقبلة: الدم والحرب، لكن ما يبدو أنه لم يستوعبه بعد، هو أن الشعب الفلسطيني، الذي قدّم نموذجًا استثنائيًا في الصمود، وواجه واحدة من أطول المعارك الحديثة في ظل حصار خانق وقوة عسكرية تفوقه عدةً وعتادًا، لن يكون ضحية سهلة لنزوات السياسة الدولية، فمعركة الأشهر الخمسة عشر، التي خاضها الفلسطينيون في مواجهة 360 ألف جندي إسرائيلي، انتهت بإثبات عجز جيش الاحتلال عن فرض وقائع جديدة أو كسر إرادة المقاومة.
واستطرد الأعور قائلًا إن الفلسطيني، الذي صمد أمام أعتى مشاريع الإبادة والتهجير، مستعد لدفع الأثمان الكبرى مقابل حقه في البقاء، فهو لا يملك ترف الهروب، ولا يقبل خيار الاستسلام.
وشدد على أن غزة ليست للبيع، والضفة ليست مجالًا للمساومة، والهوية الفلسطينية ليست صفحة يمكن طيها بقرار أجنبي أو بتوقيع على اتفاق مشبوه.

