العواقلة: إعلام الاحتلال يشن حملة ضارية ضد الأردن

قال العميد المتقاعد من المخابرات العامة، قاسم العواقلة، إن هناك حملة تحريضية ضارية يقوم بها الإعلام الإسرائيلي ضد الأردن، تتخذ من البعد الديني محورًا رئيسًا في صياغة خطابها التعبوي.
وأوضح العواقلة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن"، أن خطابنا ما زال يخشى توصيف الصراع بتوصيفه الحقيقي، متجاهلًا أن إسرائيل نفسها لا تتوانى عن تسخير البعد الديني أداةً مركزية في تعبئة جمهورها، فمن يمعن النظر في النصوص القرآنية يجد أن الصراع مع اليهود، على امتداد تاريخه، اتخذ بعدًا دينيًا واضحًا لا يمكن القفز عنه أو الالتفاف عليه.
وأكد العواقلة ضرورة إعادة هيكلة الخطاب الرسمي الموجَّه إلى الشباب، على نحو يستجيب لمتطلبات المرحلة الحرجة التي نمر بها، إذ إن غياب خطاب تعبوي موجّه إلى الشباب يُعَدّ ثغرة خطيرة تستغلها جهات مختلفة، بعضها يغذي النزعات الانحرافية كالإدمان والجريمة، وبعضها الآخر يوجه الطاقات المهدورة نحو التطرف والإرهاب.
وبيّن أن احتواء هذا الجيل لا يعد ترفًا سياسيًا أو خيارًا يمكن تأجيله، بقدر ما هو حاجة ملحة وحتمية يفرضها الواقع، مضيفًا أن غياب خطاب حكومي قادر على مخاطبة وجدان الشباب بلغة تستثير انتماءهم، وتعزز وعيهم بالتهديدات المحدقة بالوطن، يُعَدّ إخفاقًا استراتيجيًا لا يُمكن تبريره.
واستطرد العواقلة قائلًا إنه من المؤسف أن نرى كيف تحسن قوى خارجية استقطاب الشباب وتوجيههم، بينما تفتقر حكوماتنا إلى رؤية شمولية تمكّنها من استثمار هذه الطاقات الهائلة في بناء مستقبل الدولة، بدلًا من تركها فريسة للضياع والتيه.
والأمر الأكثر مدعاةً للاستغراب هو عزوف الخطاب الرسمي عن تبني مقاربة دينية واضحة، في الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل، بلا مواربة، الخطاب الديني كإحدى ركائز صراعها معنا، ذلك أن تجاهل هذا البعد، في لحظة تاريخية مفصلية، لا يمكن إلا أن يكون ضربًا من قصر النظر، وبشكلٍ خاص مع عدم تبني استراتيجية خطابية قائمة على المواجهة الفكرية والوعي الديني، رغم أن المرحلة الراهنة لا تتيح ترف الحياد أو التغاضي، فنحن نواجه لحظة فارقة تتطلب إجابات حاسمة عن سؤال الوجود ذاته: "نكون أو لا نكون"، وفقًا لما قاله العواقلة لصحيفة "أخبار الأردن".
وأشار إلى أن الإعلام، بات أحيانًا يشكّل عبئًا على الدولة بدلًا من أن يكون أداة وطنية فاعلة في مواجهة التحديات، فالإعلام الوطني، يتعامل مع القضايا الكبرى بسطحية مقلقة، ويكتفي بالمعالجات التقليدية التي تفتقر إلى العمق، فلا يُنتج خطابًا تعبويًا يعزز الوعي الوطني، ولا يسهم في صياغة رأي عام قادر على استيعاب حجم المخاطر التي تهدد البلاد.
وأشار إلى أن إعلام الدولة، في اللحظات الحرجة، يجب أن يكون جبهة صلبة لا تقل أهمية عن الجبهات السياسية والعسكرية، إذ من غير المقبول أن يظل الرأي العام رهينةً للخطاب الإعلامي الإسرائيلي أو لوسائل إعلام أخرى، تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تشويه الحقائق أو تبسيطها إلى حد التفريغ الكامل من مضمونها، مستطردًا أن المطلوب هو مشروع إعلامي متكامل، قائم على رؤية استراتيجية، يعمل على تفكيك الدعاية المعادية، ويمارس دوره في تعبئة الرأي العام، وفق منهجية مدروسة لا تخضع لردود الفعل الآنية.
وأشار العواقلة إلى أنه لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الأجندات الخارجية في حرف البوصلة وتشويه الأولويات، إذ باتت بعض التيارات، سواء تلك التي تتبنى خطاب الإسلام السياسي أو القومية التقليدية، تستهلك الشعارات دون امتلاك أي مشروع حقيقي قادر على تحقيق المنشود، فبينما يتم توزيع الحلوى احتفالًا بما سموه "انتصار غزة"، يخرج نتنياهو نفسه ليؤكد أنه يسعى، بكل ما أوتي من نفوذ، لإعادة إشعال الحرب، ضاغطًا على الإدارة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف.
وفي ظل هذه المعادلة المختلة، علينا أن نتساءل بموضوعية: أين هو هذا الانتصار الذي يحتفلون به؟ وكيف يمكن لعاقل أن يغفل التناقض الصارخ بين ما يُعلن عنه في الإعلام، وما يجري على أرض الواقع؟، كما ذكر.
ونوّه إلى أننا نواجه أزمة فكرية عميقة تمتد إلى مجمل المشهد الوطني، وتُلقي بظلالها حتى على آليات صنع القرار السياسي، إذ من البديهي أن تواجه الدولة تحديات جمة، لكن ما يزيد من صعوبة المشهد هو غياب حالة التماسك الوطني التي تفرضها مثل هذه الأوضاع، مؤكدًا ما تستدعيه المرحلة الراهنة من اصطفافٍ وطنيّ حقيقيّ خلف القيادة، لأن المزايدات والاختلافات الهامشية لا تخدم سوى القوى التي تعمل على إضعاف الدولة واستنزافها، وإذا كان ثمة دور ينبغي أن تضطلع مكونات المجتمع الأردني، فهو التحرك الواعي والمنضبط لدعم موقف الدولة، عبر تنظيم مسيرات سلمية ترفض السياسات الإسرائيلية والتوجهات الأمريكية المنحازة، وتُعبر عن الإرادة الشعبية الأردنية بشكل حضاري يرسّخ مواقف القيادة ويعززها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
واختتم العواقلة حديثه بالقول إننا أمام مرحلة لا تحتمل التراخي أو المجاملة، ولا مجال فيها للحياد أو الغموض، فإما أن نصوغ خطابًا وطنيًا قادرًا على استنهاض الوعي الجمعي، وإما أن نظل ندور في حلقة مفرغة من التشرذم والتردد، بينما يواصل الآخرون تنفيذ مخططاتهم بلا رادع.