ديه لـ"أخبار الأردن": ترامب جلب معه مصائب اقتصادية

قال الخبير الاقتصادي منير ديه إنه منذ تولّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم، أحدثت سياساته الاقتصادية هزّة عميقة في الأسواق العالمية، متسبّبة في سلسلة من التغيّرات الجذرية التي انعكست على المؤشرات المالية الكبرى، مثيرة بذلك حالة من الارتباك والاضطراب في الاقتصاد العالمي، ما دفع الحكومات والمحلّلين الاقتصاديين إلى إعادة تقييم المشهد المالي والتجاري وفق معطيات جديدة، غير مسبوقة من حيث التأثير والشمولية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه مع شروع الإدارة الأمريكية في تطبيق سياسات الحماية التجارية، التي تمثّلت بفرض رسوم جمركية صارمة على الواردات القادمة من دول محورية كالصين، وكندا، والمكسيك، شهد سعر صرف الدولار الأمريكي قفزة نوعية أمام معظم العملات العالمية، مضيفًا أن هذا الارتفاع، الذي بلغ مستويات لم تسجّل منذ أكثر من عامين، جاء نتيجة مباشرة لتغيّر معادلات العرض والطلب في الأسواق المالية العالمية.
وعلى الرغم من أن قوة الدولار قد تُفسَّر بأنها مؤشر على متانة الاقتصاد الأمريكي، إلا أن انعكاساتها كانت كارثية على العملات الأخرى، التي شهدت تراجعًا ملموسًا، لا سيّما في الأسواق الناشئة، ما زاد من أعباء خدمة ديونها المقوّمة بالدولار، وأدى إلى تفاقم الضغوط التضخمية في اقتصاداتها المحلية، وفقًا لما صرّح به ديه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
بورصات العالم تحت وطأة الصدمة
في سياق متصل، انعكست هذه التحوّلات المالية على حركة الأسواق العالمية، إذ تراجعت مؤشرات البورصات بشكل حاد، وسط مخاوف متزايدة من انعكاسات هذه السياسات على التجارة الدولية والاستثمارات العابرة للحدود، فقد تصاعدت حالة عدم اليقين، التي تُعدّ العدو الأول للأسواق المالية، الأمر الذي تسبب بموجات بيع مكثفة للأسهم، تجلّت في هيمنة اللون الأحمر على شاشات التداول في كبرى الأسواق المالية، وإلى جانب ذلك، فقد تراجعت أحجام التداول، مدفوعةً بحالة الترقب الحذر التي تسود الأوساط الاستثمارية، حيث بات المستثمرون في حالة انتظار لما ستؤول إليه المرحلة المقبلة، وسط غموض يحيط بالقرارات الاقتصادية الأمريكية القادمة، كما أوضح.
وبيّن ديه أن هذه السياسات الحمائية على مستوى أسواق الطاقة، أدّت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط، مدفوعًا بتوقّعات بانخفاض الإمدادات القادمة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم كندا والمكسيك، فمع فرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على واردات الفولاذ والألمنيوم، و10% على عدد من السلع الأخرى، دخلت كلفة الإنتاج في منحنى تصاعدي، ما انعكس على أسعار المواد الأولية ورفع مستويات التضخم في السوق الأمريكية، متابعًا أن هذا الارتفاع في أسعار الطاقة يشكّل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد العالمي، خصوصًا بالنسبة للدول المستوردة للنفط، التي ستواجه ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج والاستهلاك على حدّ سواء، مما قد يفضي إلى موجة تضخمية أوسع نطاقًا.
ولفت الانتباه إلى أن تداعيات هذه السياسات على الأسواق المالية والطاقة امتدت لتضع النظام التجاري العالمي أمام اختبار صعب، فالولايات المتحدة، التي كانت تقود لعقود طويلة حركة تحرير التجارة العالمية، باتت اليوم تتبنى نهجًا انعزاليًا، يعيد رسم معادلات التجارة الدولية ويهدد استقرار سلاسل التوريد العالمية، ونتيجة لذلك، بدأت العديد من الدول في اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة هذه الموجة الحمائية، حيث لجأت بعض الحكومات إلى فرض رسوم مضادة، فيما أعلنت دول أخرى، ككوريا الجنوبية، وبريطانيا، وبعض الاقتصادات الأوروبية والآسيوية، عن خطط طوارئ لحماية صادراتها والحفاظ على تنافسيتها في الأسواق العالمية.
تضخم متصاعد وسعر فائدة غير مستقر
واستطرد ديه قائلًا إن هذه التغيرات الاقتصادية تُلقي بظلالها على السياسة النقدية الأمريكية، إذ يواجه الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) معضلة معقّدة تتمثّل في ضرورة تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي وكبح التضخم، فمع الارتفاع المحتمل في معدّلات التضخم نتيجة تصاعد تكلفة الإنتاج، قد يجد الفيدرالي نفسه مضطرًا إلى إعادة النظر في استراتيجيته النقدية، ما قد يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة مجددًا، في خطوة قد تُحدث اضطرابات إضافية في الأسواق العالمية، خاصة في الدول المثقلة بالديون المقوّمة بالدولار.
وأشار إلى أن السياسات الاقتصادية التي انتهجها الرئيس ترامب لا تقتصر على كونها إجراءات مؤقتة ذات تأثيرات قصيرة المدى، فهي تمثّل نقطة تحوّل جوهرية في بنية الاقتصاد العالمي، وبينما تستفيد الولايات المتحدة، ولو على المدى القريب، من هذه السياسات عبر تقليص العجز التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي، فإن التداعيات السلبية على المستوى الدولي قد تقود إلى مشهد اقتصادي أكثر تعقيدًا، وربما إلى ركود عالمي إذا ما استمر التصعيد التجاري دون حلول توافقية، وبالتالي، فإن العالم اليوم أمام مرحلة دقيقة، تستوجب إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، وتبنّي استراتيجيات قادرة على احتواء التداعيات المحتملة لهذا التحوّل الجوهري في المشهد الاقتصادي الدولي.