أبو رصاع لـ"أخبار الأردن": الدولة العميقة مستعدة لإحراج ترامب

{title}
أخبار الأردن -

 

قال المحلل السياسيّ عمر أبو رصاع إن تراجع الرئيس دونالد ترامب عن قراره القاضي بتجميد المساعدات الفيدرالية، يعد تحولًا سياسيًا وقانونيًا يحمل دلالات بالغة العمق على التوازنات الداخلية في المشهد الأمريكي.

جاء هذا التراجع، وفقًا لما أوردته وكالة "أسوشيتد برس"، على خلفية تحركات قانونية قادها عدد من المدعين العامين الديمقراطيين، الذين سارعوا إلى الطعن في القرار أمام المحاكم الفيدرالية، ما أدى إلى تصعيد قضائي سريع كاد أن يضع الإدارة في مواجهة قانونية مباشرة قبيل جلسة الاستماع الحاسمة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وبيّن أبو رصاع أن المشهد قد يوحي ظاهريًا بأن ترامب قد انكفأ أمام الضغوط القانونية والسياسية، إلا أن مصادر مقربة من دوائر صنع القرار داخل البيت الأبيض تؤكد أن الرئيس الأمريكي، الذي لطالما تبنى خطاب المواجهة والتحدي، لم يتراجع تحت وطأة الاعتراضات العابرة، وإنما عمد إلى إعادة صياغة استراتيجيته التنفيذية بما يتيح له تحييد العقبات الإجرائية التي تفرضها المؤسسات القضائية والبيروقراطية الفيدرالية، والتي تشكل الركائز الأساسية لما يُعرف بـ"الدولة العميقة"، التي يرى ترامب أنها تعمل بشكل ممنهج على تقويض سلطته وإفشال سياساته من الداخل.

وفي هذا السياق، قال إن قضية الجنسية المكتسبة بالولادة تأتي كحلقة إضافية في سلسلة الصدامات بين السلطة التنفيذية والقضاء الفيدرالي، إذ أصدرت محكمة فيدرالية حكمًا يقضي بتعليق تنفيذ قرار ترامب بمنع اكتساب الجنسية تلقائيًا بالولادة، معتبرةً أن هذا الإجراء يتناقض بوضوح مع نصوص الدستور الأمريكي، لا سيما التعديل الرابع عشر، الذي ينص على حق المواطنة بالولادة داخل الأراضي الأمريكية، ويعكس هذا الحكم، إلى جانب قرارات قضائية أخرى، الاتجاه المتزايد داخل السلطة القضائية نحو الحد من تغول السلطة التنفيذية، وهو ما يضع ترامب أمام تحدٍّ إضافي في معركته الممتدة مع المؤسسات الحاكمة العميقة.

على الصعيد الاقتصادي، لم يكن المشهد أقل تعقيدًا، إذ قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أول اجتماع له هذا العام الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، في خطوة تتعارض صراحةً مع رغبة ترامب، الذي مارس ضغوطًا مكثفة لتخفيضها، في محاولة منه لتحفيز النمو الاقتصادي والحد من تبعات التضخم، ليعكس هذا القرار استقلالية البنك المركزي الأمريكي في مواجهة رغبات الإدارة، كما يسلط الضوء على التوتر الدائم بين ترامب والمؤسسات الاقتصادية الحاكمة، التي ترى أن التدخلات السياسية في السياسة النقدية قد تقود إلى تداعيات خطيرة على استقرار الأسواق المالية، وفقًا لما بيّنه أبو رصاع.

ونوّه إلى أن قوة ترامب، رغم ارتكازه على أغلبية جمهورية داخل الكونغرس، ليست قوة مطلقة بقدر ما هي مشروطة بتوازنات دقيقة داخل بنية النظام السياسي الأمريكي، فالأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، التي لا تتجاوز 218 مقعدًا من أصل 435، تُعد هشة وغير مريحة، ما يجعلها عرضة للتفكك عند أي تصويت حساس، فيما تبدو الأغلبية في مجلس الشيوخ أكثر هشاشة، إذ تقوم على فارق مقعد واحد فقط، ما يعني إمكانية كسرها بسهولة في قضايا خلافية جوهرية، وبالتالي، فإن معارضة ترامب لا تقتصر فقط على الديمقراطيين، وإنما تمتد إلى بعض الأجنحة الجمهورية التي تتباين مواقفها بناءً على طبيعة الملفات المطروحة للنقاش.

وبالنظر إلى الديناميات العميقة التي تحكم الصراع بين ترامب والدولة العميقة، يمكن القول إن المواجهة بين الطرفين ليست مجرد خلافات سياسية عابرة، بقدر ما تعكس صراعًا هيكليًا على طبيعة الحكم في الولايات المتحدة، حيث تسعى مراكز النفوذ التقليدية، الممتدة داخل القضاء، والأجهزة الأمنية، والبيروقراطية الفيدرالية، والمؤسسات المالية، إلى فرض سقف واضح لسلطة الرئيس، ومنعه من إعادة تشكيل النظام وفق رؤيته الخاصة.

وذكر أن خصوم ترامب داخل الدولة العميقة قد اختاروا استراتيجية "الاستنزاف المتدرج"، عبر تقويض سياساته واحدة تلو الأخرى، بدلًا من مواجهته بشكل مباشر، وذلك بهدف تأجيج الرأي العام ضده وتشكيل كتلة معارضة حرجة قبل الدخول في العام الانتخابي الحاسم.

ولفت أبو رصاع الانتباه إلى أن ترامب يخوض واحدة من أصعب معاركه السياسية في ظل رئاسته، حيث تتزايد التحديات التي يواجهها على أكثر من جبهة، بدءًا من المحاكم الفيدرالية، مرورًا بالمؤسسات النقدية والاقتصادية، وصولًا إلى الانقسامات داخل حزبه نفسه، وما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن خصومه يسعون لإحباط سياساته الراهنة، وتقويض فرصه في الفوز بولاية رئاسية أخرى، عبر خلق مناخ من عدم الاستقرار القانوني والسياسي حول قراراته، ما قد يدفع الناخبين المترددين إلى إعادة النظر في خياراتهم الانتخابية مستقبلًا.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير