كيف سيتجاوز الأردن منعطفًا تاريخيًا جديدًا؟... كراجه يجيب "أخبار الأردن"
قال الكاتب والمحامي سائد كراجه إن الأردن وعلى امتداد تاريخه، كُتب عليه أن يكون في قلب العواصف الجيوسياسية والاقتصادية، يتأرجح بين الضغوط المتعاقبة والتحديات المتعاظمة، غير أنه، وبفضل رصيده العميق من الحكمة السياسية والقدرة على التكيف الاستراتيجي، ظل صامدًا في وجه العواصف، إذ لم تكن مئويته الأولى سوى شاهد تاريخي على صلابته وقدرته على إثبات حضوره، رغم تقلبات الزمن وتعاظم التحديات.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن من أبرز المنعطفات المصيرية في تاريخ الأردن، ما جرى عام 1956، حين قررت بريطانيا وقف مساعداتها الاقتصادية ردًّا على قرار الملك الراحل الحسين بن طلال بتعريب قيادة الجيش، غير أن الملك الحسين، بحنكته السياسية واستشرافه العميق للمستقبل، التفت سريعًا نحو الفضاء العربي، معززًا علاقاته الإقليمية، ومؤسسًا في الوقت ذاته لشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، وهو ما أتاح للأردن اجتياز تلك المرحلة الحرجة دون أن ينحني للعواصف.
وبيّن كراجه أنه ومنذ اعتلاء جلالة الملك عبد الله الثاني العرش، واجه الأردن طوفانًا متلاحقًا من الأزمات، بدءًا من تداعيات الاجتياح الأمريكي للعراق، وما تبعه من اختلال في موازين القوى الإقليمية، مرورًا بالأزمة السورية وما أفرزته من تدفقات لجوء ضخمة أرهقت البنية التحتية والموارد الوطنية، ووصولًا إلى خطر الجماعات الإرهابية الذي ألقى بظلاله القاتمة على المنطقة بأسرها، والأزمة الاقتصادية العالمية، وانقطاع إمدادات الغاز المصري، والتبعات العميقة لـ"الربيع العربي"، وانهيار قطاع السياحة بفعل جائحة كورونا، وأخيرًا، وليس آخرًا، الضغوطات السياسية والاقتصادية المترتبة على ما عُرف بـ"صفقة القرن".
وذكر أن الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سواء عبر تجميد المساعدات الاقتصادية، أو محاولات فرض واقع سياسي جديد في المنطقة، شكّلت اختبارًا جديدًا لصلابة الأردن، متابعًا أن الدولة الأردنية لم تتوانَ عن التصدي لهذه التحديات بأدواتها الدبلوماسية الراسخة، فلم يكد يمضي وقت قصير على قرارات ترامب حتى نجح جلالة الملك في توقيع اتفاق تعاون استراتيجي مع الاتحاد الأوروبي، في خطوة جسّدت تقدير المجتمع الدولي العميق لدور الأردن المحوري في إرساء التوازنات الإقليمية والدولية.
ولفت كراجه الانتباه إلى أن قراءة التاريخ السياسي الأردني بتمعّن تضعنا أمام حقيقة جلية، مفادها أن الأردن لا يواجه التحديات بمنطق الاستسلام أو المساومة، وإنما بمنهجية التكيف الاستراتيجي القائم على تحويل الأزمات إلى فرص، والانفتاح على دوائر التأثير الدولية، دون التفريط في ثوابته الوطنية، واليوم، يواصل الأردن هذا النهج، من خلال تعزيز شراكاته مع أوروبا، والانخراط في حوار سياسي واقتصادي متوازن مع الولايات المتحدة، يقوم على مبدأ المصالح المتبادلة لا التبعية الأحادية، ما يفرض على واشنطن إدراك أن أي محاولة لخنق الأردن سياسيًا أو اقتصاديًا ستطال مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط بأسره.
واستطرد قائلًا إن تعميق الحضور الأردني في المنظومة الإقليمية أضحى ضرورة استراتيجية لا محيد عنها، سواء لتعزيز الموقف السياسي للدولة، أو لضمان شبكة أمان اقتصادية تسهم في تخفيف وطأة التحديات المتراكمة، وفي الداخل، لا بد من ترسيخ خطاب وطني قائم على إشاعة الثقة بالقدرة على تجاوز الأزمات، وتعزيز الشعور الجمعي بالتماسك والصمود.

