المومني يتحدث لـ"أخبار الأردن" عن مصير محاولات التهجير

قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني إنه لا يمكن النظر إلى القضية الفلسطينية بمعزل عن السياق العربي، حيث يشكّل البعدان الأردني والمصري مرتكزَين أساسيَّين في أي مقاربة تحليلية لهذه القضية، بالنظر إلى التشابك التاريخي، والجغرافي، والاستراتيجي الذي يحكم موقف البلدين.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الاشتباك الأردني - المصري مع القضية الفلسطينية ينظر إليه على أنه امتداد طبيعي لمسؤوليات إقليمية من جانب، وترجمة لاعتبارات أمنية وسياسية متجذرة من جانبٍ آخر، وهو ما يجعل من الموقفين الأردني والمصري أكثر تصلبًا إزاء أي محاولات لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني وفق رؤى لا تتماهى مع مصالحهما العليا.
وبيّن المومني أن الموقف العربي الحالي لم يكن مجرد تأييد لمواقف الأردن ومصر، ذلك أنه جاء معززًا لحالة الاصطفاف الإقليمي ضد أي مشاريع تسوية تخرج عن ثوابت القضية الفلسطينية، فالموقف العربي، الذي بدا أكثر حزمًا من ذي قبل، يعد امتدادًا لمحاولات إعادة التموضع العربي ضمن خارطة التأثير الدولي، لا سيما في ظل دخول قوى عربية وازنة تمتلك شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة على خط هذا الاشتباك، ولا يُقرأ فقط في سياق رد الفعل على المتغيرات السياسية التي تفرضها الإدارة الأمريكية.
وذكر أن التفاعل الأردني - المصري يعد استجابة استراتيجية تستند إلى ضرورات الأمن القومي لكلا البلدين، حيث يشكّل أي مساس بالواقع الديموغرافي أو السياسي للأراضي الفلسطينية خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، ومن هنا، لم يكن من المستغرب أن يتماهى الموقفان الأردني والمصري في رفض أي مقاربة تستهدف التهجير القسري أو إعادة رسم الخريطة السكانية لفلسطين، خصوصًا في ظل الطروحات التي تلوّح بإمكانية توطين الفلسطينيين في مناطق خارج وطنهم التاريخي.
ولعلّ أحد أبرز المؤشرات على فاعلية الموقف الأردني في المشهد السياسي الدولي هو التوقيع الأخير على الاتفاقية الاقتصادية الاستراتيجية بين الأردن والاتحاد الأوروبي، والتي لم تأتِ بمعزل عن الحسابات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فالتوجه الأردني نحو تعزيز الشراكات الأوروبية لا يمكن فصله عن الرغبة في تشكيل توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة، بحيث لا يكون القرار الأردني رهينًا لأي ضغوط أمريكية محتملة، وفقًا لما صرّح به المومني لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن الاشتباك السياسي مع الإدارة الأمريكية الحالية لا يعني بالضرورة القبول بكل ما تطرحه واشنطن، بقدر ما هو هو محاولة لاستثمار العلاقات التاريخية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة للضغط باتجاه مواقف أكثر توازناً تجاه القضية الفلسطينية، فالإدارة الأمريكية، وإن كانت تدفع باتجاه مقاربات تطبيعية واسعة، إلا أنها تدرك أن الأردن ومصر ليسا طرفين يمكن تجاوزهما في أي حل سياسي مستقبلي.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه المؤسسات الدبلوماسية الأردنية والمصرية في التصدي لأي مشاريع قد تهدد الثوابت الفلسطينية، وهو ما انعكس بوضوح في البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي تبنّى موقفًا قاطعًا يرفض التهجير القسري والتوطين بأشكاله المختلفة، وهو ما يؤكد أن الاصطفاف العربي بات أكثر انسجامًا في مواجهة الطروحات الأمريكية-الإسرائيلية، كما قال.
واستطرد المومني قائلًا إن القراءة المتأنية للمشهد الحالي تشير إلى أن الأردن ومصر، بدعم عربي ودولي، يسيران في اتجاه تدويل القضية الفلسطينية بشكل أكبر، عبر تعزيز الحضور في المنظمات الدولية، والرهان على قوى فاعلة مثل الصين، والدول الآسيوية، والأفريقية لإحداث توازن استراتيجي في المعادلة السياسية، فالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، على سبيل المثال، يعد جزءًا من استراتيجية تهدف إلى فرض رؤى تتماهى مع حل الدولتين وتقطع الطريق أمام أي سيناريوهات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وعليه، فإن الموقف الأردني، الذي أثبت في السابق صلابته أمام ضغوط صفقة القرن، لا يزال اليوم يحافظ على ذات التوجه، مستندًا إلى شبكة تحالفات دولية وإقليمية قادرة على احتواء أي محاولات لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني بما لا يخدم مصالح الدولة الأردنية أو القضية الفلسطينية، فكما لم تتحقق "صفقة القرن"، فإن الطروحات الجديدة، مهما بدت ضاغطة، ستواجه بحائط الصد ذاته، المدعوم بموقف عربي متماسك، ورفض دولي واسع لأي انتهاك للحقوق الفلسطينية المشروعة.