الأردن هش مناخيًا... ودعوات لتفادي أزمة مقبلة

قال رئيس المركز العربي للمناخ المهندس أحمد العربيد إن التوقيت حساس ويتزامن مع التحديات المناخية المتسارعة التي تلقي بظلالها على منطقتنا، وعلى رأسها أزمة المياه التي تحولت إلى إشكالية استراتيجية تمس الأمن المائي والغذائي وحتى الاستقرار الجيوسياسي للأردن.
جاء ذلك في سياق إجابته على سؤالٍ وجهته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية خلال ندوة متخصصة بعنوان "الماء ومستقبل الأردن: حلول ممكنة لأزمة معقدة".
وأوضح العربيد أن موقعنا الجغرافي يضعنا في قلب التقلبات المناخية الحادة، مما يجعلنا أكثر هشاشة تجاه المتغيرات المناخية الإقليمية والدولية، فالمنظومة المناخية التي تؤثر علينا ترتبط بشكل مباشر بالأنظمة الجوية القطبية الشمالية، حيث تشكل الكتل الهوائية الباردة المتدفقة من تلك المناطق المصدر الأساسي لأمطارنا، وبالتالي، فإن أي اضطراب في هذه المنظومة ينعكس فورًا على معدلات الهطول لدينا، وهو ما يفسر التقلبات الحادة التي نشهدها في توزيع الأمطار زمانيًا ومكانيًا.
وليس ذلك فحسب، بل إن موقعنا يجعلنا أيضًا عرضة لتأثيرات الأنظمة المدارية، حيث تمتد إلينا تيارات هوائية رطبة قادمة من القارة الإفريقية، والتي غالبًا ما تؤدي إلى نشوء حالات عدم استقرار جوي، مع ما يُضاف إلى ذلك من تأثير ظواهر مثل النينو واللانينا في المحيط الهادئ، التي تُعيد تشكيل أنماط توزيع الكتل الهوائية على المستوى العالمي، ما ينعكس على ديناميكيات المناخ في منطقتنا بشكل غير متوق، وفقًا لما صرّح به.
وإذا ما انتقلنا إلى بُعد آخر على درجة عالية من الأهمية، وهو البحر الأبيض المتوسط، الذي يُعد الخزان الرطوبي الأهم لمنطقتنا، لفت العربيد الانتباه إلى هناك تغيرات تطرأ على درجة حرارة مياهه، وتلعب دورًا محوريًا في إعادة رسم خرائط الضغط الجوي ومسارات المنخفضات الجوية، وهو ما يجعلنا أمام سيناريوهات مناخية أكثر تعقيدًا، تتراوح بين موجات جفاف طويلة وأمطار كثيفة غير منتظمة، ما يفاقم من التحديات المتعلقة بإدارة الموارد المائية.
وفي هذا السياق، يجدر التوقف عند نقطة بالغة الأهمية، وهي أن الجفاف المطلق قد لا يكون السيناريو الأكثر حضورًا في منطقتنا، بقدر ما نشهد تغيرات جذرية في توزيع الهطولات المطرية، بحيث نواجه مواسم شحيحة المطر تتخللها موجات أمطار غزيرة ومركزة في فترات زمنية قصيرة، مما يزيد من مخاطر الفيضانات والسيول الجارفة، ويضع تحديات إضافية أمام استراتيجيات حصاد المياه وإدارة السدود.
ونوّه العربيد إلى أن الحديث عن الأمن المائي في الأردن لا يمكن أن يكون بمعزل عن تبني سياسات متكاملة تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات المشهد المناخي، سواء من خلال تحسين كفاءة التخزين المائي، أو تطوير نظم الري الحديثة، أو تعزيز برامج إعادة تدوير المياه، أو حتى استكشاف حلول غير تقليدية مثل تحلية المياه باستخدام مصادر طاقة متجددة.
واختتم حديثه بالقول إن ما نشهده اليوم يمكن النظر إليه على أنه إعادة صياغة جذرية للنظام المناخي العالمي أكثر من تحولات مناخية عابرة، إذ إن ذلك يفرض علينا إعادة النظر في سياساتنا المائية والزراعية والبيئية ضمن منظور تكاملي وشامل، وبالتالي، فإن مسؤوليتنا تمتد إلى استشراف المستقبل، والتأسيس لحلول طويلة الأمد تضمن أمننا المائي والغذائي، وتحافظ على استدامة مواردنا للأجيال القادمة.