الحوراني يكتب: العرب وحواسيب الكم

{title}
أخبار الأردن -

  حسام الحوراني

في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا، تبرز الحوسبة الكمية كواحدة من أكثر التقنيات إثارة وإمكانات غير مسبوقة. هذه الحواسيب، التي تعتمد على قوانين ميكانيكا الكم بدلاً من الأسس التقليدية للحوسبة، تقدم قوة معالجة هائلة يمكنها تغيير ملامح الصناعات والتكنولوجيا في المستقبل القريب. لكن السؤال الملح هو: أين العرب من هذا السباق التكنولوجي؟

الحوسبة الكمية ليست مجرد تطور آخر في عالم التكنولوجيا، بل هي نقلة نوعية قادرة على حل مشاكل لم تكن ممكنة في السابق. التطبيقات المحتملة لهذه التقنية تشمل على سبيل المثال : تحليل البيانات الضخمة، تحسين شبكات الاتصال، تسريع اكتشاف الأدوية، وتحليل النظم المالية والبيئية بشكل يفوق التصورات. بالنسبة للدول العربية، فإن استثمارًا استراتيجيًا في هذه التقنية يمكن أن يكون مفتاحًا لدخول العصر الجديد من الابتكار والريادة.

العديد من الدول العربية بدأت تعي أهمية الحوسبة الكمية وتعمل على تعزيز قدراتها في هذا المجال. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، اتخذت خطوات جادة لتطوير البنية التحتية الرقمية وتشجيع البحث العلمي في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. كما قامت المملكة العربية السعودية بتطوير مبادرات تكنولوجية ضمن رؤية 2030، والتي تتضمن بناء قدرات تكنولوجية متقدمة. الاردن أنشأ المجلس الاعلى لتكنولوجيا المستقبل الذي سيحرك تبني التكنلوجيا المتقدمة. هذه الجهود تؤكد على وجود وعي بأهمية هذه التقنية، ولكنها تتطلب تكثيفًا أكبر للموارد والاستثمار.

رغم هذه المبادرات الواعدة، إلا أن التحديات التي تواجه الدول العربية في هذا المجال كبيرة. منها نقص الكفاءات المؤهلة في الحوسبة الكمية، وعدم وجود بنية تحتية متكاملة تدعم البحث والتطوير. بالإضافة إلى ذلك، فإن قلة الاستثمارات الموجهة إلى البحث العلمي تمثل عقبة رئيسية.

الحل يبدأ بتعزيز الشراكات القوية بين القطاعين العام والخاص، حيث تتطلب هذه الرحلة التكنولوجية رؤية طموحة وجهودًا جماعية لتحقيق قفزة نوعية. على الجامعات العربية أن تقود هذا التحول عبر تبني برامج تعليمية مبتكرة تركز على الحوسبة الكمية، مع بناء جسور تعاون مع المؤسسات والشركات العالمية الرائدة. في الوقت نفسه، للشركات الناشئة دور محوري يمكن أن يُحدث فرقًا، حيث تستطيع تقديم حلول تطبيقية مبهرة تعتمد على الحوسبة الكمية، مع تحفيز الشباب على استكشاف هذا المجال الواعد الذي يحمل بين طياته مستقبل التكنولوجيا والابتكار.

من الضروري أن ندرك أن الحوسبة الكمية ليست مجرد رفاهية تقنية، بل هي ضرورة استراتيجية في عالم يشهد تنافسًا شديدًا على الموارد والمعلومات. الدول التي تستثمر في هذه التقنية الآن ستكون قادرة على تحقيق تفوق اقتصادي وتقني في المستقبل. لذلك، يجب على الدول العربية أن تنظر إلى الحوسبة الكمية كجزء أساسي من استراتيجياتها الوطنية للتنمية.

التاريخ يشهد بأن العالم العربي كان في يوم من الأيام مركزًا للعلوم والابتكار. العلماء العرب في العصر الذهبي مثل ابن الهيثم والخوارزمي ساهموا بشكل كبير في تطور العلم والمعرفة. اليوم، الحوسبة الكمية تقدم فرصة لإحياء هذا الإرث من خلال قيادة الابتكار في مجال يمكن أن يغير ملامح المستقبل.

المستقبل لا ينتظر، ومن يتأخر في اللحاق بركب التطور التقني سيجد نفسه في موقف المتلقي لا المبتكر. الحوسبة الكمية تمثل نافذة إلى مستقبل مليء بالإمكانات، والعرب لديهم الفرصة لتبني هذا التحدي وتحويله إلى فرصة للريادة العالمية. التحدي كبير، ولكن الطموح والإرادة يمكن أن يصنعا الفارق.


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير