الدباس يكتب: الوصف القانوني للأسرى الفلسطينيين

محمد نور الدباس
ما الوصف القانوني لمن يتعرض للأسر من قبل قوات كيان الاحتلال؟ هل هم أسرى حرب؟ وهل تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة التي تتيح طائفة واسعة من أنماط الحماية لأسرى الحرب، والتي جاءت بتعريف واضح لحقوقهم ووضعت القواعد المفصلة التي تحكم طرق معاملتهم وكيفية الإفراج المحتمل عنهم، مع الإشارة إلى أن القانون الدولي الإنساني يضفي الحماية للأشخاص الآخرين الذين حرموا من حريتهم بسبب النزاعات المسلحة.
سنحاول في هذه المقالة المقتضبة أن نسلط الضوء على الوصف القانوني للأسرى الفلسطينيين، في ضوء الادعاءات الصادرة من كيان الاحتلال بأن من تقوم باعتقالهم ليسوا أسرى حرب، وبالنتيجة لا تنطيق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة حسب ادعاء كيان الاحتلال.
فبعد قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باحتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية في الخامس من حزيران من العام 1967، قام القائد العسكري التابع لقوات الاحتلال «حاييم هرتسوغ» بإصدار الأمر العسكري رقم (3) وقد نصت مادته (35) على «أنه يترتب على المحكمة العسكرية تطبيق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949 بخصوص حماية المدنيين أثناء الحرب والاحتلال، والتأكيد على أن تلتزم المحكمة العسكرية بتطبيق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بالإجراءات القضائية، وإذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين الاتفاقية فتكون الأفضلية لأ?كام اتفاقية جنيف».
غير أن القيادة العسكرية لقوات كيان الاحتلال، سرعان ما عادت وتنصلت من التزامها بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، ومعاملة المدنيين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بموجب ما قررته تلك الاتفاقية من إجراءات قضائية، تضمن حق المحاكمة العادلة، حيث القائد العسكري لمنطقة قطاع غزة وشمال سيناء يوم الحادي عشر من تشرن أول 1967 بإصدار الأمر العسكري رقم (107)، كما وأصدر القائد العسكري للضفة الغربية في يوم الثالث والعشرين من الشهر عينه، الأمر العسكري رقم (144)، الذي نص على أن «أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لا تتمتع بالسمو والأفضل?ة على القانون الإسرائيلي وتعليمات القيادة العسكرية، وأن ما تضمنته المادة 35 من الأمر العسكري رقم (3) من إشارة إلى اتفاقية جنيف الرابعة قد جاء بطريق الخطأ».
ومنذ ذلك الحين، يرفض كيان الاحتلال الاعتراف بأن اتفاقيات جنيف تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، متعذرة بأنها لم تحتل أراض من دولة ذات سيادة، وأن المملكة الأردنية وجمهورية مصر العربية كانتا تقومان بإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة ولم تكونا صاحبتي سيادة عليهما، وهما لا يشكلان جزءا من أراضيهما (وفق ادعاء كيان الاحتلال).
وترفض دولة الاحتلال معاملة المقاتلين الفلسطينيين بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، على اعتبار أن صفة أسرى الحرب لا تنطبق إلا على أفراد القوات المسلحة، وأعضاء حركات المقاومة المنظمة لأحد أطراف النزاع. وبما أن المقاومين الفلسطينيين لا ينتمون إلى أي دولة، فإنهم غير مؤهلين للحصول على مكانة أسرى الحرب.
فكيان الاحتلال لا يكتفي بحرمان الأسرى الفلسطينيين من التمتع بحقوقهم التي تكفلها لهم اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب، بل يمتد الأمر ليحرم بقية المعتقلين الفلسطينيين المدنيين المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
وبالنسبة للأسرى الفلسطينيين في سجون كيان الاحتلال، فتمارس ضدهم أبشع صور التعذيب الجسدي والنفسي، تحث ذريعة أنهم مجرمين وليسوا مقاومين يتمتعون بصفة أسرى الحرب عند إلقاء القبض عليهم، حسب مقتضيات المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف لسنة 1949م.
فأسرى الحرب هم الأشخاص الذين يجري إلقاء القبض عليهم مؤقتا من طرف العدو في نزاع مسلح ليس لجريمة ارتكبوها، وإنما لأسباب عسكرية، فإذا اعتبرنا ذلك تعريفاً لأسير الحرب فنلاحظ أن وجود جملة من الخصائص تتوفر في اصطلاح أسرى الحرب بناء على ما تقرره المواثيق الدولية، حيث أن قواعد القانون الدولي الإنساني تضمن للعسكريين من رعايا الدول المتحاربة وللأفراد المدنيين الذين يكتسبون هذه الصفة من القانون الدولي إذا ما وقعوا في قبضة جيش الدولة الخصم الانتفاع من وضع أسرى الحرب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل الأسر مجرد إجراء ?ؤقت، إذ تتم إعادتهم إلى أوطانهم فور انتهاء العمليات الحربية، باعتبارهم أشخاص حجزت حريتهم لا لقيامهم بأفعال مجرمة، وإنما نتيجة أعمال يجيزها القانون الدولي (أعمالٌ مشروعة وهي واجبٌ وطني للدفاع عن وطنهم)، وحمل هؤلاء الأشخاص لصفة أسير الحرب يقتضي بالضرورة واجب المعاملة الإنسانية لشخصهم وحمايتهم من الاعتداء، والتمتع بالضمانات والامتيازات المقررة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.
أن سلطات الاحتلال التي تقوم بمحاكمة الأسرى الفلسطينيين بصورة غير قانونية، من خلال سن تشريعات داخلية منافية لما أقره القانون الدولي الإنساني، وفرض أحكام قضائية عليهم يصل اغلبها إلى عقوبة المؤبد، في حين احتجاز أسرى الحرب هو احجز للحرية مؤقت (كما أسلفنا)، وما جرى مؤخراً من تبادل للأسرى بين كيان الاحتلال من جهة وحركة حماس من جهة أخرى، يؤكد أن الأشخاص الذين كانوا محتجزين في سجون كيان الاحتلال هم أسرى حرب، لأنه من المعروف قانونياً أن الأسير لا يُحاكم وإنما يُفرج عنه متى توقفت الحرب، أو نتيجة اتفاق سياسي، وأن الأ?كام الصادرة بحقهم هي أحكام غير قانونية على الرغم من صدورها من محاكم صورية، فهم أسرى حرب يتمتعون بالحماية بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، كما أن المدنيين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بموجب ما قررته اتفاقية جنيف الرابعة يجب أن يتمتعوا بالحماية خاصة في حالة تعرضهم لإجراءات قضائية، تضمن حق المحاكمة العادلة.