العبادي يكتب: ماذا ينتظر غزّة بعد 471 يوماً من الحرب الإسرائيلية على القطاع؟ّ!

د.صلاح العبادي
شكّلت عودة آلاف النازحين من أهالي شمال قطاع غزّة لمناطق سكنهم المدمرة، صدمة كبيرة للشارع الإسرائيلي، الذي كان قد توقع عودة أعداد محدودة من أهالي القطاع، إلى الشمال، الذي كان يقطنه قبل الحرب نحو 650 ألف نسمة، حتى أصبح العدد نحو 70 ألفاً بعد تدمير الشمال الذي تبلغ مساحته 62 كم مربعاً وهي تشكل نحو 17 بالمئة من مساحة القطاع، وتم تسوية مباني الشمال بالأرض، وفقد مقومات الحياة.
الإسرائيليون انصبّ اهتمامهم على عودة الأسرى وجثامين القتلى الذين لقوا حتفهم أثناء القصف الإسرائيلي.
عاد أكثر من نصف سكان الشمال، للتأكيد على صمودهم ورفضهم لأي مخططات للتهجير، بينما لم يعد سكان غلاف غزة من اليهود إلى مستوطناتهم رغم عدم وجود أي تهديدات لهم، وفكك الجيش الإسرائيلي الثكنات العسكريّة من محور نتساريم وانسحبت قوات الجيش منه رغم عدم وجود أي خطر يهددهم، الأمر الذي كان له تداعيّات كبيرة على الأثر النفسي والمعنوي للإسرائيليين.
عكست هذه العودة تمسك الفلسطينيين بأرضهم على عكس التوقعات الإسرائيلية التي كانت تعتقد أن الفلسطينيين يمكنهم التفريط بأرضهم وهجرتها.
كما أنهم تلقفوا الصدمة الأخرى جراء صمود المقاومة بعد 15 شهراً من الحرب، في وقت كانت إسرائيل تصور مشهد المعركة بينها وحماس، دون أن تدرك بأنّ المعركة الحقيقية هي بين أهالي القطاع بأسره، الذي قدم ما يزيد على 47 ألف شهيد و110 آلاف مصاب، وآلاف المفقودين، وأصبح ما يزيد على 90 بالمئة من مبانيه في عداد الدمار الكلي أو الجزئي!
صمود أهالي غزّة رغم عدم وجود مقومات الحياة في القطاع أكد رفضهم لأي مخططات للتهجير القسري باعتبارها جزءا من التطهير العرقي، وأكدوا للعالم بأسره أنهم ليسوا مهاجرين يمكن ترحيلهم «كالمكسيكيين»، بل هم شعب يناضل من أجل حقوقه ضد محاولات لتوطين الفلسطينيين في المهجر وإن كانت مؤقتاً؛ خوفاً على قضيتهم لتصفيتها، حتى لا يتكرر سيناريو نكبة عام 1948.
النازحون قطعوا مسافة تزيد عن 7 كيلومترات سيراً على الأقدام للعودة إلى شمال قطاع وهم يتطلعون لإعادة بناء غزّة من جديد؛ حيث كان القطاع والذي يعد من المناطق ذات الكثافة السكانيّة الكبرى في العالم؛ يضم نحو 2.3 مليون شخص يعيشون فيما مساحته 365 كيلومتراً مربعاً قبل الحرب.
زعيم حزب «القوة اليهودية» اليميني المتطرف ايتمار بن غفير اعتبر أن «ما يجري استسلام مطلق وليس انتصاراً مطلقًا لإسرائيل، وبخلاف الوعود التي أطلقها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو منذ الأيام الأولى لحربه على قطاع غزة، وتأكيده بأنه سيجلب الانتصار المطلق لإسرائيل»، بينما أكثرية وزراء حكومته الحالية يلتزمون الصمت تجاه ما يجري في قطاع غزة.
اليوم ما يزيد على مليون و800 ألف نسمة من سكان القطاع بحاجة إلى مأوى، عدا عن الغذاء والدواء، حيث دمّرت الحرب ما يزيد عن نصف الأراضي الزراعية التي تمتاز بخصوبة تربتها وتعد السلّة الغذائية للقطاع المحاصر منذ العام 2007، وفقد القطاع ما يزيد عن 15 ألف رأس من الماشية.
تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة كشف أن العديد من المستشفيات تهدمت بشكل كامل أو جزئي أو خرجت عن الخدمة، وبقي منها 17 مستشفى من أصل 36، وهي لا تلبي الحاجة المتزايدة اليوم، في ضوء تفاقم الحاجة الإنسانيّة المتزايدة.
الحقت الحرب أضراراً بأكثر من 70% من المدارس، التي تدير الأونروا الجزء الأكبر منها. وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» 408 مدارس لحقت بها الأضرار، أي ما يعادل 72.5% على الأقل من هذه المنشآت التعليمية، التي تفيد بياناتها بأن عددها 563. ومن بين هذه المنشآت، دُمّرت مباني أكثر من 53 مدرسة بالكامل، وتضرر 274 مبنى آخر جراء نيران الجيش الإسرائيلي، حيث كانت تأوي أعداداً كبيرة من سكان القطاع أثناء الحرب بحثاً عن مأوى وهرباً من نيران الحرب.
أرقام الأمم المتحدة تشير إلى أن إزالة 45 مليون طن من الركام، الذي خلفه قصف جيش الاحتلال، قد تستغرق سنوات بتكلفة ربما تصل إلى نحو 1.5 مليار دولار، خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو خمسة عشر عاماً، وتحتاج إلى ما يزيد عن 10 مليارات دولار لإعادة الإعمار.
عمليات الإنتاج في غزّة توقفت أو دمرت وفقدت مصادر الدخل لقاطنيه، واشتد الفقر وفقد أهالي القطاع مصادر دخلهم؛ وأدت الحرب إلى أزمات إنسانيّة واجتماعيّة غير مسبوقة.
المجتمع الدولي مطالب اليوم في إطار مسؤولياتيه الأخلاقية والإنسانية بالعمل بشكل تشاركي لتوفير المزيد من المعونات والمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، والعمل الجاد لإعادة البناء من خلال توفير التمويل، على نحو يعيد التنمية المستدامة للقطاع.
كما أنّه وبعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن وفقاً لمراحله المرسومة، فإنّ المخاوف تكمن بأن تستعيد إسرائيل الرهائن من فصائل المقاومة، وتعيد الحرب مجدداً، في وقت أثبتت التجارب السابقة على مدى التاريخ بأنّ إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق وإن كان التزامها آنياً وتعاود خرقه من جديد!!