السكران يكتب: عندما تزورنا أشباح التكنولوجيا المنقرضة

{title}
أخبار الأردن -

 

    عمران السكران


في مقبرة التكنولوجيا، تستريح أدوات الماضي التي كانت يوما ما رمز التقدم بعدما اكتمل مشوارها في أروقة منازلنا، لكنها اليوم مجرد ذكرى عتيقة، تركت أثرا كبيرا في مسيرة ذاكرتنا، ولكن بعد الهجوم التقني الذي لم يسعف الذاكرة في صنع لحظات حميمية معها.

الأشرطة الكاسيت، مثلا، تلك الصناديق التي كنا نلفها بأقلام الرصاص لإنقاذها من أعطالها المتكررة، أصبحت اليوم محض أثر قديم أمام عمالقة البث الرقمي، والأقراص المرنة؟ تلك العلب الصغيرة التي بالكاد تسع ملفا نصيا بسيطا، كنا نعاملها وكأنها تحمل أسرار الكون، اليوم، حلت محلها الفلاشات الضوئية والتخزين السحابي الذي يتيح لنا حمل مكتبات بأكملها في جيوبنا.

حتى أجهزة البيجر، تلك الوسيلة الثورية للتواصل السريع في التسعينيات، أصبحت نكتة قديمة في عالم تهيمن عليه الهواتف الذكية، أما الأقراص المضغوطة وأسطوانات DVD، فقد انقرضت تحت وطأة خدمات البث التلفزيوني، لتتحول إلى ديكور أو قاعدة لأكواب القهوة.

ولا ننسى أجهزة VHS التي جعلتنا خبراء في «إعادة اللف» بعد كل مشاهدة، اليوم، بضغطة زر، نشاهد ما نريد دون الحاجة لمجهود عضلي، وكذلك الهواتف الأرضية القديمة، التي كانت مسرحا للمكالمات العائلية الطويلة والاقتراب منها مغامرة لا تحمد عقباها، أفسحت المجال للهواتف المحمولة التي باتت ترافقنا حتى أثناء النوم، نعم، لقد كانت الهواتف الأرضية ثقيلة الوزن، لكنها على الأقل لم تكن تتطلب شحنا يوميا.

ثم هناك شاشات التلفزة الثقيلة، التي كانت تحتاج إلى فريق لنقلها، وقد اختفت لصالح شاشات LED الأنيقة التي تكاد تطفو في الهواء، أما الكاميرات الفلمية التي تطلبت صبرا لتطوير الصور، فقد اندثرت في عصر الهواتف الذكية المليئة بالمرشحات،

حتى الآلات الكاتبة، التي كانت عنوانا للإنتاجية، أصبحت اليوم رمزا للحنين.

التكنولوجيا لا ترحم، وتدفعنا باستمرار نحو الجديد، تاركة وراءها أدوات الماضي كتذكار يذكرنا بحياة كانت يوما ما «حديثة».

لكن السؤال الأهم: ما مدى الأثر السلبي أو الإيجابي لهذا التطور التقني المتلاحق؟ لقد أصبحنا نلهث لمواكبة كل تقنية جديدة دون أن نعطي لأنفسنا فرصة لصنع ذكريات معها، حتى الذكريات أصبحت سريعة الزوال في عصر السرعة هذا.

التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل الاجتماعي، هي سلاح ذو حدين، من ناحية، يمكن أن تكون أداة قوية لتحسين حياتنا إذا تم استخدامها بحكمة، ولكن من ناحية أخرى، قد تتحول إلى مصدر للمشاكل إذا أسيء استخدامها، لذلك، من المهم تحقيق التوازن بين الاستفادة من إيجابياتها وتجنب سلبياتها لضمان حياة أكثر رفاهية واستدامة.

لذا، بينما نستمتع بكل ما تقدمه لنا التكنولوجيا الحديثة، دعونا لا ننسى أن نزور «متحف التكنولوجيا المنقرضة» بين الحين والآخر... افتراضيا بالطبع! لأن حتى المتاحف أصبحت رقمية هذه الأيام، يا له من عالم!

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير