ديه لـ"أخبار الأردن": اجتماع الفيدرالي غدًا حسّاس وجدلي
قال الخبير الاقتصادي منير ديه إن أول اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لعام 2025، والمنعقد غدًا، يحظى بأهمية استثنائية كونه الأول في عهد الرئيس دونالد ترامب، وفي سياق اقتصادي يشهد تحولات عميقة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الاجتماع يأتي في أعقاب سلسلة من القرارات غير المسبوقة التي اتخذها الفيدرالي خلال عام 2024، حيث خفّض أسعار الفائدة ثلاث مرات متتالية في أشهر سبتمبر، وأكتوبر، وديسمبر، بإجمالي 100 نقطة أساس، لتأتي هذه التخفيضات بعد دورة طويلة من الزيادات امتدت 11 مرة منذ عام 2022، والتي دفعت أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية غير معهودة.
وبيّن ديه أن قرار الفيدرالي غدًا يتسم بقدر كبير من الحساسية، حيث يواجه المجلس معضلة مزدوجة، فمن جهة، هناك توقعات بارتفاع معدلات التضخم في المستقبل القريب نتيجة السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب، ومن جهة أخرى، هناك ضغوط سياسية تطالب بتخفيض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي.
سياسات ترامب والتضخم المرتقب
وذكر أنهمن المتوقع أن تسهم السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب في دفع التضخم إلى الارتفاع، وتشمل هذه السياسات فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات، سواء من الدول الصديقة أو الخصوم، وتعزيز الحماية التجارية للبضائع الأمريكية، لا سيما تلك القادمة من الصين وأوروبا، إذ ستؤدي هذه الإجراءات إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ما سيزيد من كلفة المعيشة ويضغط على المستهلك الأمريكي.
واستطرد ديه قائلًا إن السياسات المرتقبة المتعلقة بتقليص الهجرة وترحيل العمالة المهاجرة، ستُحدث نقصًا في الأيدي العاملة، ما يدفع الأجور إلى الصعود، ذلك أن ارتفاع الأجور سيؤدي بدوره إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وفي النهاية، دفع معدلات التضخم، مضيفًا أن هذه التطورات تعيد إلى السطح التحديات التي حاول الفيدرالي معالجتها على مدار السنوات الأخيرة، حينما كانت معدلات التضخم قد وصلت إلى مستويات مقلقة، بلغت 10% في عام 2023، قبل أن يتمكن من خفضها تدريجيًا إلى ما يقرب من 2%.
التصادم بين الفيدرالي والإدارة الأمريكية
وتابع أنه في الوقت الذي يتوقع فيه الاقتصاديون أن يثبت الفيدرالي أسعار الفائدة ضمن النطاق الحالي (4.25%-4.5%)، تضغط إدارة ترامب باتجاه سياسات تحفيزية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة، لتحفيز الاقتصاد الأمريكي، وهذا الصدام المحتمل بين سياسات الفيدرالي الحذرة وتوجهات الإدارة الأمريكية قد يضع النظام الاقتصادي تحت ضغط غير مسبوق، خاصة وأن الفيدرالي يضع نصب عينيه هدف السيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار.
وذكر أن الفيدرالي يعلم بأن التسرع في خفض أسعار الفائدة قد يؤدي إلى إشعال التضخم مرة أخرى، في حين أن تثبيتها سيضعه في مواجهة مباشرة مع أجندة الرئيس ترامب الاقتصادية، التي تعتمد على حماية الأسواق المحلية وزيادة الإنفاق الاستثماري.
وقال ديه إن قرار الفيدرالي غدًا لن يكون تأثيره محصورًا في الولايات المتحدة، فهو سيمتد إلى السياسات النقدية للبنوك المركزية حول العالم، مضيفًا أن البنوك المركزية الكبرى، التي تسترشد بسياسات الفيدرالي، قد تتجه إلى تثبيت أو تخفيض أسعار الفائدة بناءً على القرار الأمريكي، وفي السياق الأردني، من المتوقع أن ينعكس قرار الفيدرالي بشكل مباشر على قرارات البنك المركزي الأردني، وإذا ثبت الفيدرالي أسعار الفائدة، فمن المرجح أن يحافظ البنك المركزي الأردني على مستويات الفائدة الحالية، ما يعني عدم وجود زيادات جديدة على المقترضين، أما إذا قرر الفيدرالي خفض الفائدة، فقد يستفيد المقترضون من تخفيض محتمل في كلفة القروض، مما سيخفف من الأعباء المالية عليهم.
وأشار إلى أن القرار المرتقب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي غدًا يحمل دلالات أعمق من مجرد تعديل أسعار الفائدة، فهو يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاقتصاد الأمريكي على التكيف مع سياسات داخلية قد تكون محفوفة بالمخاطر، مثل سياسات الحماية الاقتصادية والضرائب المرتقبة، كما أن هذا القرار سيؤثر بشكل مباشر على الأسواق المالية العالمية، حيث ستتجه الأنظار إلى ردود فعل الأسواق والبنوك المركزية الأخرى.
واختتم ديه حديثه بالقول إن اجتماع الغد سيكون واحدًا من أكثر الاجتماعات جدلية في تاريخ مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث يواجه المجلس تحديًا مزدوجًا يتمثل في الحفاظ على استقرار اقتصادي طويل الأجل، وتجنب التصادم مع سياسات الرئيس ترامب التي تحمل في طياتها مخاطر اقتصادية محتملة.