إحباط الأردن لمشاريع التصفية في ظل خطابات التشكيك

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الكاتب الصحفي حاتم النعيمات إن الموقف الأردني الرافض لمشاريع التصفية والتهجير يعكس إدراك الدولة الأردنية العميق لما تمثله هذه المشاريع من تهديد وجودي للأردن وفلسطين معًا.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن خطابات جلالة الملك عبد الله الثاني ومقابلاته حملت رسائل واضحة لا تحتمل التأويل، تؤكد أن الأردن لن يقبل بأي حال أن يكون جزءًا من حلول تنال من هويته الوطنية أو تقوّض الحقوق الفلسطينية، إذ تجلى ذلك الحزم في الميدان الدبلوماسي، حيث أدارت وزارة الخارجية الأردنية معارك شاقة ومركّبة، أثبتت خلالها قدرتها على استثمار جميع الأدوات المتاحة للوقوف في وجه التحولات الأمريكية ومخططات اليمين الإسرائيلي المتطرفة في المنطقة.

غير أن التشكيك في الموقف الأردني، رغم وضوحه وصرامته، لا يزال يظهر بين الحين والآخر، في محاولة لتشويه الحقائق أو التشويش على الإنجازات، وفقًا لما صرّح به النعيمات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأكد أهمية إدراك حسم الأردن لأمره منذ زمن بعيد، عندما أغلق كل الأبواب التي تؤدي إلى قبول مشاريع التوطين أو الوطن البديل، ولو كانت الدولة الأردنية تميل إلى القبول بمثل هذه الحلول، لما كانت تتحمل أعباءً ثقيلة في مواردها واقتصادها لعقود طويلة، ولكانت قد اختارت الحلول السهلة التي تدر المكاسب على حساب المبادئ، لكن الأردن، بثقله التاريخي ودوره القومي، لا يمكن أن يتنازل عن قضية دفعت فيها قواته المسلحة دماء آلاف الشهداء، في وقت نأت دول وشعوب أخرى بنفسها عن هذا الواجب القومي.

ونوّه النعيمات إلى أن التشكيك في الموقف الأردني لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره محاولة عبثية للنيل من صمود الأردن ودوره التاريخي، فمن غير المنطقي أن يُتهم بلدٌ، كان ولا يزال في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، بأي شكل من أشكال التواطؤ أو التخاذل، ولعل التاريخ شاهد على ذلك، فقد حكم الأردن الضفة الغربية لعشرين عامًا، وجعل منها نواة لدولة فلسطينية مستقلة، ولم يكن ذلك لغاية طامعة أو لبحث عن مصالح ذاتية، إذ كانت التزامًا قوميًّا وأخلاقيًّا، ولو كانت المساومة ممكنة، لما شارك الأردن في حرب 1967، رغم علمه بأن كلفتها ستكون باهظة، ولما أقدم على فك الارتباط عام 1988، وهي خطوة جاءت لتؤكد دعمه لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

لنأخذ مثالًا حديثًا يُثبت متانة الموقف الأردني وثباته، يظهر من خلال صفقة القرن التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، تلك الصفقة، التي حظيت بدعم دول إقليمية ودولية كبيرة، كانت تهدف إلى إعادة صياغة الواقع الفلسطيني بشكل يتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورغم الضغوط الهائلة التي مورست على الأردن للقبول بها، كان الرد الأردني حاسمًا وقاطعًا بالرفض، وذلك الرفض كان امتدادًا لاستراتيجية ثابتة تحكم السياسة الخارجية الأردنية في التعامل مع قضايا المنطقة، سواء فيما يتعلق بفلسطين أو ملفات العراق وسوريا، كما قال النعيمات.

على ضوء ذلك، استطرد قائلًا إنه يجب أن نترك خلف ظهورنا خطاب التخوين والتشكيك، الذي بات اليوم عائقًا أمام بناء موقف وطني موحد، فالأردن، الذي واجه تحديات جسيمة وتحمّل عبء الدفاع عن قضايا الأمة لعقود، يستحق أن تُفهم سياسته الخارجية بعمق، والمرحلة الحالية ليست وقتًا للعودة إلى خطابات الخمسينيات والستينيات، بقدر ما هي فرصة لإعادة النظر في أولوياتنا، ولتعزيز ثقة الشعب بالدولة، وكشف نوايا أولئك الذين يحاولون إضعاف الموقف الأردني عبر التشكيك أو التهويل من الضغوط الأمريكية.

وأشار النعيمات إلى أن السياسة الخارجية الأردنية أكثر من مجرد ردود أفعال، فهي منظومة متكاملة من المبادئ التي تغلب المصلحة العامة على الحسابات الضيقة، ومع أن الأردن أبدى في محطات عديدة إيثارًا وتضحية في سبيل قضايا الأمة، إلا أن الوقت قد حان لخلق رؤية متجددة تستثمر التحديات الراهنة لبناء موقف أكثر قوة وتماسكًا، مضيفًا أن هذا الوطن، الذي واجه عواصف سياسية واقتصادية عديدة، لا يزال يثبت أنه قادر على الصمود والوقوف في وجه كل المشاريع التي تهدد كيانه، ليبقى الأردن عنوانًا للصمود والنضال، ودرعًا للأمة في مواجهة التحديات.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير