الحنيطي: الخطوط الحمراء تُرسم من جديد
قال الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أيمن الحنيطي، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر بالنسبة للبعض حول العالم، قد تبدو فكرة جريئة وغير واقعية، على غرار مقترحاته السابقة مثل شراء غرينلاند من الدنمارك أو دمج كندا في الولايات المتحدة.
وأوضح الحنيطي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه لا يمكن للشرق الأوسط، بحساسيته التاريخية وتعقيداته السياسية، تجاهل هذا الإعلان، حيث استُقبلت التصريحات بجدية وقلق، مضيفًا أن ترامب، الذي كشف عن عزمه إمكانية نقل سكان غزة إلى دول مجاورة، برر هذا المقترح بأن غزة أصبحت "خرابًا وغير صالحة للعيش"، وأن الانتقال قد يكون مؤقتًا أو دائمًا.
وبيّن الحنيطي أن وراء هذه الفكرة تكمن رؤية ترامب التي تعتمد على "صفقات" مادية، متجاهلة الأبعاد الأيديولوجية، والذاكرة التاريخية، والتعقيدات الثقافية والسياسية التي ترسم ملامح الشرق الأوسط.
عودة "الكابوس الفلسطيني"
وقال إنه منذ تولي ترامب الرئاسة الأولى، واجه الفلسطينيون واقعًا سياسيًا جديدًا قوّض العديد من المسلمات التي بنوا عليها استراتيجياتهم، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودفع اتفاقيات أبراهام، وطرح "صفقة القرن"، لتكون خطوات هزّت الركائز التقليدية للنضال الفلسطيني.
والآن، مع عودة ترامب إلى المشهد، يخشى الفلسطينيون ما وصفوه بـ"نكبة جديدة"، فتصريحاته الأخيرة تعدّ محاولة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية بما يتجاوز الاعتبارات الإنسانية والسياسية التقليدية، إذ يرى الفلسطيني في هذا المقترح محاولة لفرض واقع جديد يُنهي أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفقًا لما صرّح به الحنيطي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر الحنيطي أن الرئيس ترامب لم يخفِ رؤيته البراغماتية التي تركز على الاقتصاد والأمن، متجاهلًا الديناميكيات الأعمق للنزاع، ومن وجهة نظر الفلسطينيين، تعد هذه التصريحات خطوة تمهيدية قد تفرض تغييرات ديموغرافية عميقة في المنطقة، تؤدي إلى اقتلاع آلاف الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما يعيد إلى الأذهان مشاهد التهجير القسري التي شهدها القرن الماضي.
الأردن ومصر: الخطوط الحمراء تُرسم من جديد
في السياق الإقليمي، أثارت تصريحات ترامب مخاوف عميقة في كل من الأردن ومصر، البلدين اللذين يحيطان بفلسطين تاريخيًا وجغرافيًا، مضيفًا أن هذه المخاوف ليست بالجديدة؛ فقد عُرضت مقترحات مشابهة سابقًا، مثل فكرة "الهجرة الطوعية" أو نقل سكان غزة إلى سيناء، ما أثار دائمًا استياء مصر والأردن، وبالنسبة للأخير فهو حلقة الوصل بين القضية الفلسطينية والعالم العربي، في وقتٍ أثارت فيه تصريحات ترامب قلقًا في الأوساط الرسمية والشعبية.
أما مصر، فترى في هذه التصريحات تهديدًا مباشرًا لسيادتها وأمنها القومي، إذ إن سيناء، التي كانت في السابق محل جدل دولي حول إمكانية استيعاب سكان غزة، تمثل عمقًا استراتيجيًا لا يمكن المساس به، ليكون ردّ القاهرة الواضح والصريح برفض الفكرة يعكس إدراكها التام للعواقب الخطيرة التي قد تنجم عن أي استجابة لمثل هذه المقترحات.
موقف العالم العربي: رفض بهدوء وحذر
ورأى الحنيطي أنه على الرغم من الصدمة التي أثارتها تصريحات ترامب، إلا أن قادة العالم العربي يتعاملون معها بحذر مدروس، فحتى الآن لم يُصدر أي زعيم عربي تصريحات تصعيدية مباشرة تجاه ترامب، ربما بسبب الرغبة في تجنب صدام مفتوح مع واشنطن، ومع ذلك، فإن الرفض كان واضحًا تمامًا، إذ لا يمكن للعالم العربي، وخصوصًا الدول المجاورة لفلسطين، أن يتحمل تبعات قبول مثل هذه الفكرة، ولو ضمنيًا، مشيرًا إلى أن القادة العرب يدركون جيدًا أن أي إشارة إلى قبول الفكرة قد تُشعل اضطرابات داخلية حادة.
إسرائيل في معادلة معقدة
ونوّه الحنيطي إلى أن تصريحات ترامب بالنسبة لإسرائيل، تمثل معضلة معقدة، فبينما قد ترى بعض الأطراف الإسرائيلية في الفكرة فرصة لتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية عبر تقليل الكثافة السكانية في غزة، فإنها في الوقت ذاته تدرك خطورة التصعيد مع الدول العربية، مشيرًا إلى أن إسرائيل تواجه خيارًا حساسًا، يتمثل في الابتعاد عن دعم علني للفكرة، لتجنب تصعيد التوتر مع العالم العربي، والالتزام بالعمل الدبلوماسي السري، لبحث إمكانية قبول حلول إنسانية مؤقتة دون المساس بالاستقرار الإقليمي.
وأضاف أنه على الرغم من أن احتمالية تنفيذ هذا المقترح ضئيلة، إلا أن تداعياته السياسية قد تكون واسعة النطاق، ففي فلسطين، تعيد تصريحات ترامب إحياء المخاوف من مؤامرات التهجير القسري، وتدفع الفلسطينيين إلى اتخاذ موقف أكثر تصلبًا تجاه أي مفاوضات مستقبلية، أما إقليميًا، فالأردن ومصر قد تعززان تعاونهما الدبلوماسي لمواجهة أي ضغوط أمريكية أو إسرائيلية، مع التركيز على حماية مصالحهما الوطنية، فيما قد يشهد العالم جدلًا أوسع حول أخلاقيات استخدام حلول ديموغرافية لمعالجة النزاعات السياسية، وهو ما قد يُعيد التركيز على التزامات القانون الدولي تجاه اللاجئين.
واختتم الحنيطي حديثه بالقول إن تصريحات ترامب تعكس رؤية سياسية تختزل الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط إلى معادلات مادية واقتصادية، متجاهلة السياقات التاريخية والإنسانية، مضيفًا أن هذه الرؤية، على الرغم من جاذبيتها للبعض، ستظل تصطدم بالواقع المعقد لمنطقة لا تزال تدفع ثمن عقود من الصراعات والأخطاء السياسية.

