الدباس يكتب: الاقتصاد لا يُبنى بالتسلط.. بل بالمشاركة..

{title}
أخبار الأردن -

  محمود الدباس - أبو الليث..

حين نتحدث عن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.. نطرح سؤالاً جوهرياً.. هل يمكن لأي وطن أن يزدهر.. إذا بُنيت شراكته الاقتصادية على الإملاءات والتسلط؟!.. الواقع الحالي يجيبنا بوضوح.. أن ما يُطلق عليه شراكة اليوم.. لا يعدو كونه علاقة غير متكافئة.. طرف يسيطر على أكثر من ثلاثة أرباع القرار والنفوذ.. بينما يُترك للطرف الآخر هامش لا يتعدى الربع.. يتحمل فيه العبء المالي الكامل.. ويُجبر على الامتثال تحت وطأة القوانين الصارمة.. دون اعتبار للظروف القاهرة.. أو الحقوق الأساسية.. هذه ليست شراكة.. بل هيمنة.. تقتل روح الاستثمار والإبداع.. وتزرع بذور عدم الثقة بين الطرفين..

إذا كانت الحكومة تسعى لشراكة حقيقية.. فعليها أن تدرك.. أن التشاركية لا تعني الوصاية.. ولا يمكن لطرف واحد.. أن يكون المشرّع والمنفّذ والقاضي في الوقت ذاته.. شراكة تقوم على هذا الأساس.. هي وصفة للفشل المحتم.. ما تحتاجه العلاقة.. هو التوازن الذي يضمن للطرفين حقوقاً متساوية.. ومسؤوليات واضحة.. أولى الخطوات نحو هذا التوازن.. تكمن في إنشاء آليات صنع قرار مشتركة.. تضم ممثلين متساويين من كلا القطاعين.. بحيث تُوضع القوانين.. وتُصاغ العقود بشفافية وعدالة.. دون تغول أو انحياز لأي طرف..

أما بالنسبة للعقود.. فلا يمكن أن تكون عقود إذعان.. تُفرض من طرف واحد.. بل يجب أن تكون مرنة ومنصفة.. تراعي الظروف الطارئة.. وتضمن استمرارية المشاريع.. دون الإخلال بحقوق أي طرف.. وهنا يأتي دور الحكومة في توفير البيئة القانونية.. والتشريعية.. التي تُحفّز القطاع الخاص.. لا أن تُخضعه.. أو تثقل كاهله بشروط تعجيزية..

ولنا أن ننظر إلى تجارب عالمية وإقليمية.. نجحت فيها الدول بتحقيق شراكات متوازنة.. قائمة على مبدأ التشارك الحقيقي في المسؤوليات والمخاطر.. شراكات تستند إلى عقود شفافة.. وتوزيع عادل للمكاسب.. حيث تعمل الحكومات على تقديم الحوافز.. والتشريعات المحفزة.. والاستقرار القانوني.. بينما يقوم القطاع الخاص بالاستثمار.. والتنفيذ.. وفق أسس واضحة.. هذه النماذج الناجحة أثبتت.. أن التوازن والعدالة في الشراكة.. يعززان مناخ الثقة.. ويؤديان إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام..

فعلى سبيل المثال.. النموذج البريطاني (Private Finance Initiative - PFI).. حيث اعتمدت المملكة المتحدة هذا النموذج.. في مشاريع البنية التحتية والطاقة.. حيث تقوم الحكومة بتوفير الأرض.. والإطار التشريعي.. والإشراف العام.. بينما يتحمل القطاع الخاص.. مسؤولية التمويل.. والتصميم.. والتنفيذ.. والتشغيل.. مما أدى إلى إنجاز مشاريع كبرى.. بكفاءة عالية.. ودون تحميل الحكومة.. أعباء مالية ضخمة بشكل مباشر..

والنموذج التركي في القطاع الصحي.. حيث قدمت تركيا.. مثالاً بارزاً في إنشاء المستشفيات الضخمة.. عبر نموذج شراكة يُعرف بـ "Build-Operate-Transfer" (BOT)..
حيث يقوم القطاع الخاص.. بتمويل وبناء.. وتشغيل.. المستشفيات لفترة زمنية محددة.. بينما تضمن الحكومة.. دفع مستحقات ثابتة عن تشغيلها.. وقد ساهم هذا النموذج.. في تحسين مستوى الخدمات الصحية بشكل ملحوظ..

من جهة أخرى.. القطاع الخاص ليس مجرد طرف منفذ.. بل شريك استراتيجي في بناء الوطن.. عليه أن يتحلى بالجرأة في الدفاع عن حقوقه.. والمطالبة بضمانات شفافة وعادلة.. وفي الوقت ذاته.. يجب أن يلتزم بدوره في تحقيق التنمية المستدامة.. بعيداً عن السعي للربح السريع فقط.. عليه أن يكون شريكاً فاعلاً.. يُسهم في إيجاد الحلول.. لا أن ينتظر من الحكومة.. أن تمهد له الطريق بالكامل..

إن بناء شراكة حقيقية بين القطاعين.. يتطلب تغييراً جذرياً في العقلية لدى الطرفين.. شراكة لا تقوم على السيطرة.. أو الإذعان.. بل على التكامل.. الذي يُحقق المصالح المشتركة.. ويدفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام..

فالوطن لا يُبنى بالاستغلال.. بل بالعدل.. الذي يجعل من الشراكة قوة قادرة على تجاوز الأزمات.. وبناء مستقبل مشرق.. شراكة تضمن حقوق الجميع.. وتفتح المجال للإبداع.. والاستثمار.. فحين تكون الشراكة عادلة.. تكون الثمار أوفر.. ويكون الوطن الرابح الأكبر..
 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير