عبيدات لـ"أخبار الأردن": تلاشي مهارات القراءة والكتابة لطلبة المدارس والجامعات

قال الخبير التربوي والاجتماعي الدكتور ذوقان عبيدات إن مهارات القراءة والكتابة والحساب، التي شكّلت لعقود طويلة جوهر العملية التعليمية وأساسها المتين، باتت تواجه تراجعًا في أهميتها مع التحولات الكبرى التي أحدثتها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأوضح في حديث خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هذه المهارات التقليدية كانت في بداية القرن العشرين تُعدّ رمزًا للثقافة والوعي الفكري، فقد كان الشخص الذي يتقن القراءة والكتابة والحساب يُعتبر عنصرًا مثقفًا وفاعلًا في مجتمعه، قادرًا على التعامل مع تعقيدات الحياة اليومية ومواجهة التحديات الفكرية، لكن هذا التصور بدأ بالتلاشي تدريجيًا مع تسارع الثورة الرقمية التي أعادت تعريف الأولويات المعرفية.
وأشار عبيدات إلى أن الأدوات التكنولوجية الحديثة قد تجاوزت حدود المهارات التقليدية؛ فاليوم، يمكن لأي شخص، مهما كان مستواه التعليمي، أن يعتمد على الأجهزة الذكية التي تقوم بتسجيل الكلام، وتصحيح الأخطاء، وتحويل النصوص إلى محتوى جاهز للنشر، وهذه الإمكانيات جعلت من القراءة والكتابة أدوات مساعدة أكثر من كونها ضرورة حيوية، ما أدى إلى تحول بوصلة المهارات الأساسية نحو مجالات أخرى مثل إدارة الذات، وتنظيم الوقت، والتواصل الفعّال.
وأضاف أن التطورات التكنولوجية غيّرت مفهوم الكفاءة، ففي الماضي، كانت القراءة والكتابة تُمثل جوهر بناء الوعي الثقافي والاجتماعي، بينما أصبح اليوم التفاعل مع التكنولوجيا هو المحور الرئيس الذي يحدد قدرة الفرد على المشاركة الفاعلة في المجتمع، ولم يعد الشخص بحاجة إلى الكتابة اليدوية أو القراءة التقليدية لإنجاز المهام؛ فالآلات باتت تؤدي هذه الوظائف بفعالية فائقة، كما أصبح بإمكانها ترجمة الأفكار وتحويلها إلى محتوى مكتوب أو مرئي يفهمه الجميع.
وعبّر عن قلقه من التغير الجذري في مكانة هذه المهارات، لافتًا إلى أن القراءة والكتابة كانت في الماضي مرجعية ثقافية تُميّز الأفراد المثقفين عن غيرهم، بينما في الحاضر، تلاشت هذه الفجوة بفضل الأدوات الذكية التي تتيح حتى لغير المتقنين لهذه المهارات أن ينجزوا أعمالهم بسهولة، وفي المستقبل، قد لا يكون إتقان هذه المهارات عاملًا حاسمًا كما كان سابقًا، بل قد يُصبح التركيز أكثر على الكفاءة التكنولوجية والقدرة على إدارة الموارد.
وتابع عبيدات بأننا نعيش حقبة جديدة تُعيد صياغة مفهوم الثقافة والمهارات، فالذكاء الاصطناعي يُسهم بشكل متسارع في نقل المعرفة وتبسيطها، ما يفرض على الأنظمة التعليمية إعادة النظر في أولوياتها، مضيفًا أن هذه الفجوة المتزايدة بين المهارات التقليدية ومهارات العصر الحديث تدعو إلى التركيز على تطوير مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتفاعل الإيجابي مع الأدوات التقنية المتقدمة.
واختتم حديثه بالدعوة إلى تطوير المناهج التعليمية لتواكب هذا التحول الكبير. فالتحدي يكمن في إيجاد توازن بين المحافظة على القيم التقليدية التي تُرسّخ الوعي الثقافي، وبين الاستعداد لمتطلبات المستقبل، حيث ستكون الكفاءة في التعامل مع التكنولوجيا هي المعيار الأهم لقياس قدرات الأفراد.