كرادشة لـ"أخبار الأردن": حالة إجهاد اجتماعي تستنزف الأردنيين

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور منير كرادشة إن المجتمع الأردني يواجه في الوقت الراهن ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متزايدة تتسم بارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الأعباء المعيشية، وغياب العدالة الاقتصادية، ما انعكس سلبًا على استقرار الأفراد النفسي والاجتماعي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الظروف لا تقتصر تداعياتها على الأبعاد الفردية، ذلك أنها تمتد لتؤثر على القيم والسلوكيات الجماعية، الأمر الذي ينذر بظهور تصرفات وسلوكيات غير مألوفة في المجتمع الأردني، تهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار العام.

وبيّن كرادشة أن تصاعد الضغوط الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القوة الشرائية للأفراد، يساهم في تفاقم حالة من "الإجهاد المجتمعي"، حيث يشعر الأفراد بالعجز أمام التحديات اليومية، وهذه الحالة من الإجهاد تخلق شعورًا بالاغتراب الاقتصادي والاجتماعي، حيث يجد الأفراد أنفسهم غير قادرين على تحقيق التوازن بين احتياجاتهم الأساسية وأدوارهم الاجتماعية، مضيفًا أن هذا يؤدي إلى تغيرات جوهرية في القيم، إذ قد يتجه بعض الأفراد لتبرير سلوكيات مثل العنف، أو الغش، أو الاستغلال وسيلةً للتكيف مع هذه الظروف الصعبة، ما يعكس إعادة تشكيل غير متوازنة للقيم التقليدية التي كانت تشكل عمادًا أساسيًا للمجتمع الأردني.

وفقًا لنظرية البناء الوظيفي في علم الاجتماع، فإن المجتمعات تعتمد على أنظمة اجتماعية مترابطة – مثل الأسرة، والتعليم، والدين – لضمان الاستقرار والتماسك، ومع ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية المستمرة تُضعف هذه الأنظمة، حيث تفقد الأسرة قدرتها على أداء دورها كمصدر للأمان النفسي والاجتماعي بسبب الأعباء المالية، وفي الوقت نفسه، تعجز المؤسسات التعليمية عن تقديم الدعم الكافي للشباب، ما يؤدي إلى زيادة مشاعر الإحباط لديهم، أما المؤسسات الدينية، فعلى الرغم من دورها المحوري، إلا أنها تواجه تحديًا في تقديم خطاب يعالج بشكل واقعي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأفراد، وفقًا لما صرّح به كرادشة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

على الجانب الآخر، تفسر نظرية الصراع الاجتماعي هذه الظواهر كنتيجة للتفاوت الطبقي الذي يعمق الإحساس بالظلم الاجتماعي، فالأفراد الذين يعانون من الفقر والتهميش يشعرون بالإقصاء من النظام الاقتصادي والسياسي، ما يدفعهم إلى التعبير عن إحباطهم بطرق تتحدى المعايير الاجتماعية التقليدية، ويظهر ذلك بوضوح في تصاعد العنف الأسري، والانحرافات السلوكية، وحتى في أشكال الاحتجاج غير التقليدية، وهذه السلوكيات تعد انعكاسًا لصراع طبقي يهدف فيه الأفراد إلى إعادة تعريف أدوارهم داخل المجتمع.

ولفت كرادشة الانتباه إلى أن تعزيز الحماية الاجتماعية يشكل ضرورة ملحة، حيث يجب أن تتبنى الدولة سياسات شاملة لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، من خلال تقديم دعم مباشر للفئات الهشة وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والنفسية، وفي السياق نفسه، يُعد إصلاح النظام التعليمي أولوية رئيسية، إذ ينبغي إعادة النظر في المناهج التعليمية ودورها في ترسيخ قيم المواطنة والتسامح، مع التركيز على دعم الشباب وتمكينهم لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن إغفال أهمية التمكين الاقتصادي للفئات الضعيفة من خلال برامج تدريبية ومبادرات لدعم المشاريع الصغيرة، مما يسهم في تقليل التفاوت الطبقي والشعور بالاغتراب الاقتصادي.

يتطلب الواقع أيضًا تعزيز الخطاب الديني والاجتماعي ليتماشى مع متطلبات العصر من خلال تقديم خطاب يتسم بالواقعية والمرونة، يعزز قيم التكافل والتعاون لمواجهة الأزمات، كما ينبغي إنشاء مراكز متخصصة لدعم الصحة النفسية وتقديم الاستشارات للأفراد والأسر، بحيث تكون قادرة على التعامل مع تداعيات الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.

واختتم كرادشة حديثه بالقول إن ما يشهده المجتمع الأردني من تغيرات سلوكية وتصرفات غير معهودة يعكس تفاعلًا معقدًا بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ذلك أن هذه الظواهر تتطلب استجابة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المختلفة للأزمة، بما يضمن إعادة بناء التماسك الاجتماعي وتعزيز الاستقرار، فمواجهة هذه التحديات بات ضرورة ملحة للحفاظ على هوية المجتمع الأردني وقيمه الراسخة في ظل عالم متغير.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير