علاقة شواطئ غزة بما يحدث في جنين... المغاربة يوضح لـ"أخبار الأردن"

قال الخبير العسكري محمد المغاربة إن إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى "جمال الطقس وسحر البحر في غزة"، لم تكن مجرد زلة لسان أو استطراد غير مدروس؛ ذلك أن السياق الذي جاءت فيه هذه الكلمات يثير التساؤلات حول الرؤية الاستراتيجية التي تُطبخ خلف الأبواب المغلقة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن غزة اليوم على أعتاب مخطط جيوسياسي واسع النطاق يربط بين تحولات الإقليم وتداعيات الصراعات الكبرى، خصوصًا مع إدراك الدولة العميقة في واشنطن لأهمية شواطئ غزة في معادلة الطاقة والنفوذ الإقليمي.
الهدنة: محطة مرحلية
وبيّن المغاربة أن الهدنة الحالية في غزة، رغم مفاجأتها للكثيرين، ليست إلا خطوة تكتيكية في مسار معقد يهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني والإقليمي، فهي تأتي متزامنة مع تحركات واسعة في شمال الجبهة، حيث تجري محاولات إسرائيلية وأمريكية لتصفية قوة حزب الله ضمن خطة أوسع تستهدف تحجيم النفوذ الإيراني وميلشياته المذهبية، مضيفًا أن هذه الهدنة، وإن بدت هادئة نسبيًا، مجرد استراحة محارب تسبق معارك إعادة التموضع الجغرافي والديموغرافي، ليس فقط في غزة، بل على امتداد محور المقاومة.
سقوط الأسد: زلزال إقليمي أعاد خلط الأوراق
ولفت الانتباه إلى أن الانهيار السريع للنظام السوري يعد زلزالًا جيواستراتيجي أعاد تشكيل ملامح المنطقة بأكملها، وسقوط السد الأمني الذي مثله الأسد فتح الأبواب على مصراعيها أمام صعود التيارات الإسلامية، لتتحول سوريا إلى منصة انطلاق جديدة في المشهد الإقليمي، مع تداعيات عميقة طالت لبنان، وفلسطين، والأردن، وفي غياب الأسد وإيران وميليشياتها، باتت الجغرافيا مفتوحة على احتمالات متعددة، ما يعزز المخاوف لدى دول الإقليم من طوفان سياسي وأيدولوجي قد يعيد رسم خريطة التحالفات والقوى.
غزة: من منطقة صراع إلى محور جيوبوليتيكي عالمي
يظهر بوضوح أن غزة لم تعد مجرد ملف إنساني أو ساحة صراع فلسطيني-إسرائيلي، فقد أصبحت حجر الزاوية في الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية الجديدة، ومع تصاعد أهمية شرق المتوسط كمنطقة طاقة حيوية، يتعاظم دور غزة وشواطئها، خصوصًا بعد أن نجحت روسيا في تثبيت نفوذها على الشواطئ السورية، وهذا التحول دفع واشنطن وتل أبيب إلى إعادة تقييم دور غزة كجزء من معادلة جيوسياسية كبرى، تعيد صياغة النفوذ الإقليمي والدولي، وفقًا لما صرّح به المغاربة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
تحولات فلسطينية تحت المجهر
التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الضفة الغربية، وما يصاحبها من تصريحات لرموز اليمين الإسرائيلي المتطرف مثل سموتريتش وبن غفير، تؤكد أن المشروع الصهيوني تجاه فلسطين بات في ذروته، إذ تهدف هذه التحركات إلى تصفية السلطة الفلسطينية وترحيلها، مستغلة حالة التناقضات الداخلية الفلسطينية التي تُمكّن الاحتلال من تحقيق أهدافه بأقل مقاومة، ومع ذلك، فإن الشارع الفلسطيني في الضفة وغزة، بخلاف قيادته السياسية، يدرك خطورة المرحلة ويتجه نحو إعادة ترتيب أولوياته بما يعزز من فرص المقاومة.
وأشار المغاربة إلى أن قواعد الولايات المتحدة في الخليج، مثل "العديد" في قطر، لم تعد تمثل ذات الأهمية الاستراتيجية في ظل تهديدات الصواريخ الإيرانية، وابتعادها الجغرافي عن موارد الطاقة في شرق المتوسط، وهذا الإدراك دفع واشنطن إلى تعزيز تركيزها على مناطق أكثر قربًا وتأثيرًا، مثل شواطئ غزة، باعتبارها بوابة جديدة للنفوذ في الإقليم، ومع تسارع التحالفات الناشئة، خاصة في الفضاء التركماني والشرق الأوسط الجديد، تتبلور رؤية أمريكية لإعادة التموضع الاستراتيجي بما يتلاءم مع التحولات الجارية.
واستطرد قائلًا إن صعود التيار الإسلامي إلى الحكم في سوريا الجديدة بعد انهيار الأسد، رغم كونه تحولًا صادمًا للقوى الدولية، إلا أنه أفرز معادلة جديدة تمزج بين مسؤولية الحكم ورغبة التحرر، وهذه الحالة تضع القوى الدولية في مأزق التعامل مع واقع سياسي جديد، حيث تتحول الفصائل إلى سلطة، وتفرض نفسها جزءًا من معادلة إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها، ومع استمرار التحولات في سوريا ولبنان، يتضح أن أي محاولة لزعزعة هذا الواقع ستدفع تلك القوى إلى استغلال امتلاكها للجغرافيا والموارد البشرية والمعنويات العالية لفتح جبهات متعددة قد تعيد خلط الأوراق مجددًا.
ونوّه المغاربة إلى أن ما نشهده اليوم من هدنة في غزة، وتصريحات ترامب، والتحولات الإقليمية الكبرى، يشير إلى أن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة جديدة، ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع القوى الإقليمية والدولية احتواء هذه التحولات، أم أن المشهد سيشهد مزيدًا من التعقيد والانفجار؟