هل يكفي الصمود حتى يكون فوزًا؟... الرداد يجيب "أخبار الأردن"
قال الخبير الأمني والاستراتيجيّ الدكتور عمر الرداد إن معايير النصر والهزيمة في حرب غزة تتسم بتباين واضح بين الأطراف المتنازعة، حيث تختلف الرؤية الإسرائيلية عن منظور المقاومة الفلسطينية، المتمثلة بحركة حماس، التي خاضت الحرب باعتبارها حركة مقاومة تواجه جيشًا نظاميًا مدججًا بأحدث التقنيات العسكرية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الحرب كانت صراعًا بين جيش منظم وحركة تُصنَّف، وفق المفهوم الدولي، ككيان أقل من دولة، على غرار حركات مثل حزب الله، والحشد الشعبي، وأنصار الله الحوثيين.
بالنسبة لحماس، فإن مقياس النصر لا يعتمد على نتائج الحرب بمعناها التقليدي، وإنما على بقائها كحركة مقاومة صامدة لم تُجبر على الاستسلام أو رفع الرايات البيضاء، وقد أعلنت قياداتها منذ البداية أن مسؤولية الدمار والخسائر البشرية تقع على عاتق الاحتلال الإسرائيلي، وليس على الحركة التي ترى في استمرار وجودها وصمود عناصرها وقياداتها مقياسًا للانتصار، ورغم استشهاد عدد كبير من قيادييها، فإن الحركة تؤكد أن المقاومة ولّادة، وأن استشهاد القادة ليس إلا محطة في طريق طويل مليء بالتضحيات، حيث يولد قائد جديد مع كل شهيد، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وبيّن أن الحفاظ على البنية التحتية العسكرية للحركة، بما في ذلك المخازن والأسلحة والقدرة على الإطلاق، يُعدّ من أبرز مؤشرات النصر لديها. ففي خضم الدمار والدماء، مضيفَا أن حماس ركزت على إظهار الالتفاف الجماهيري حولها والسيطرة على قطاع غزة، سواء من خلال تنظيم الشؤون اليومية للسكان أو من خلال استعراض القوة عبر الزي الموحد وسيارات الدفع الرباعي، وهذه الرسائل كانت موجهة لكل من الداخل الفلسطيني، والاحتلال الإسرائيلي، والمجتمع الدولي، للتأكيد على أن الحركة لا تزال قوة موجودة ومؤثرة، وأن ادعاءات القضاء على قدراتها العسكرية مجرد وهم.
أما من الجانب الإسرائيلي، فقد خاضت إسرائيل حربًا هجينة مزجت فيها بين أساليب جيش نظامي، وحرب العصابات، مستخدمة قوات النخبة في محاولات مستمرة لإضعاف قدرات حماس العسكرية، ومع ذلك، فإن مقياس الهزيمة بالنسبة لإسرائيل هو عدم تحقيق نصر ساحق يُجبر المقاومة على الانهيار الكامل، وهذا الفشل في تحقيق حسم واضح يفتح تساؤلات حول جدوى العمليات العسكرية الإسرائيلية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
بيد أن هذه الحرب كشفت عن واقع معقد للمشهد الفلسطيني برمته، ففي الوقت الذي تقدم فيه حماس صمودها كدليل على الانتصار وفق مبدأ "القوي إذا لم ينتصر نصرًا ساحقًا فهو مهزوم، والضعيف إذا لم يُهزم هزيمة ساحقة فهو منتصر"، يبقى المشهد الفلسطيني بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة، ذلك أن استمرار الانقسام الفلسطيني، وغياب مشروع وطني جامع تشارك فيه كل الأطراف، يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، كما قال الرداد.
ونوّه إلى أن ربط القضية الفلسطينية بمحاور خارجية، سواء إيران أو غيرها، يهدد بتحويلها إلى ورقة تفاوضية بيد أطراف إقليمية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، لذلك، لا بد من فك هذا الارتباط، وإعادة بناء القضية الفلسطينية كقضية قومية تتوحد حولها الأمة العربية والإسلامية دون أن تُختزل في صراعات دولية وإقليمية.
في ظل ما دُمر في غزة وما استشهد من أبنائها، يتضح أن المرحلة القادمة ستكون صعبة للغاية، خاصة في ظل المساعي الإسرائيلية لتقويض حماس وإضعافها سياسيًا وعسكريًا، وتحويلها إلى عبء يُنظر إليه دوليًا على أنه معيق للاستقرار في القطاع.
وهذا الواقع يفرض تحديات جديدة على الحركة وعلى الشعب الفلسطيني، ويضع مستقبل غزة والقضية الفلسطينية برمتها على المحك.

