كل ما يحتاجه الأردن لمواجهة الأطماع الصهيونية
قال مستشار شؤون الأزمات ماهر أبو طير إن الأطماع الصهيونية عادت لتتصدر المشهد مرة أخرى، مع نشر خرائط عبر وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بجهات رسمية إسرائيلية، تُظهر مناطق في الأردن وسوريا ولبنان كجزء مما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى".
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الخرائط لا تعد مجرد إشارات عابرة، فهي تعكس استراتيجية متجذرة لدى الحركة الصهيونية، التي لطالما نظرت إلى الأردن كجزء من طموحاتها التوسعية.
وبيّن أبو طير أن الأردن - منذ بدايات المشروع الصهيوني - كان جزءًا من التصورات الإسرائيلية التي تسعى لتوسيع نطاقها الجغرافي، فاليمين الإسرائيلي الحالي، بقيادة شخصيات بارزة في الحكومة، يعبّر علنًا عن هذه الطموحات، وهو ما بدا واضحًا من خلال ظهور عدد من الوزراء في مناسبات مختلفة، وقد ظهرت خلفهم خرائط تتضمن الأردن كجزء من "إسرائيل الكبرى". ومع أن معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل ما زالت قائمة، فإن التاريخ يُظهر أن الاتفاقيات مع إسرائيل لم تمنعها من التوسع أو الانقلاب على الشراكات، كما حدث مع الفلسطينيين في اتفاقية أوسلو، التي انتهت بسيطرة إسرائيل على قطاع غزة وسعيها لضم الضفة الغربية.
وأشار إلى أن الأردن اليوم يواجه تحديًا مركبًا يتطلب الاستناد إلى مرتكزات واضحة. أولها التماسك الداخلي الذي يشكل حائط الصد الأول ضد أي مخططات تهدف إلى زعزعة الاستقرار أو استغلال الأزمات الداخلية. ثانيها تعزيز العلاقات الدولية مع قوى إقليمية وعالمية لضمان موقف قوي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. ورغم أهمية هذه المرتكزات، إلا أن الاعتماد الكلي على دعم القوى الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة، يظل محفوفًا بالمخاطر، لأن هذه الضمانات غالبًا ما تكون مؤقتة ومصلحية.
ونوّه أبو طير إلى أن تصريحات القادة الإسرائيليين وكتابات مؤسسي الحركة الصهيونية تكشف بوضوح أن الأردن ظل دومًا ضمن رؤيتهم التوسعية. ومع ذلك، فإن عودة الحديث عن هذه الأطماع في هذا التوقيت تحمل أبعادًا تتجاوز البعد التاريخي، لتصل إلى رسائل سياسية واستراتيجية، ذلك أن إسرائيل تسعى في هذه المرحلة إلى تحقيق أهداف مزدوجة؛ أولها الضغط على الأردن وتهيئة الأجواء لمخططات تشمل تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن. ثانيها خلق أزمات داخلية لإضعاف الدولة الأردنية، سواء عبر إثارة الفتن أو التلاعب بالاقتصاد لتضييق الخناق عليها.
وأكد أن ما يحدث اليوم ليس مجرد حدث عرضي، بل يأتي ضمن خطة إسرائيلية منظمة تشمل أدوات متعددة، منها: خنق الأردن اقتصاديًا، وإثارة الأزمات الداخلية، وتحريك النزاعات. ومع ذلك، فإن مواجهة هذه المخططات تتطلب قراءة عميقة للمشهد وتحركًا استراتيجيًا قائمًا على الحذر واليقظة.
الأردن اليوم أمام تحدٍ حقيقي يفرض عليه إعادة ترتيب أولوياته الوطنية والإقليمية. تعزيز الوحدة الوطنية يجب أن يكون أولوية قصوى، فهو الدرع الأقوى ضد أي محاولات لزعزعة الاستقرار. إلى جانب ذلك، ينبغي أن يتحرك الأردن في الساحة الدولية بفاعلية أكبر، مستثمرًا الدعم القانوني والقرارات الأممية التي تؤكد حقوقه التاريخية والسياسية.
رغم أن المشروع الصهيوني يعتمد على أساطير تاريخية لتبرير أطماعه، إلا أن الحقيقة التاريخية تظل أقوى من أي دعاية. الرواية الصهيونية عن "إسرائيل الكبرى" تفتقر إلى أي أساس تاريخي حقيقي. فالأبحاث الأثرية، حتى تلك التي أشرف عليها علماء إسرائيليون، فشلت في إثبات وجود ممالك إسرائيلية تمتد إلى حدود الأردن. ما زالت الأرض صامدة بشواهدها التي تثبت زيف هذه الادعاءات، وتُظهر أن الأردن كان وما زال جزءًا أصيلًا من الهوية العربية.
ما يجري اليوم يتطلب رؤية جديدة تتجاوز ردود الفعل التقليدية. لا يمكن الاكتفاء بمواقف دبلوماسية أو بيانات استنكار؛ بل يجب أن يكون هناك تحرك مدروس يستثمر الحقائق التاريخية والقانونية لمواجهة المشروع الصهيوني. إسرائيل، رغم قوتها الظاهرة ودعمها الدولي، لا تستطيع أن تفرض هيمنتها إلى الأبد. المعادلات الجيوسياسية تتغير باستمرار، وما يبدو اليوم كفائض قوة قد يتحول غدًا إلى مصدر ضعف.
واخختم أبو طير بقوله إن المشهد يحتاج إلى استراتيجية شاملة تتعامل مع التحديات الراهنة بحكمة ومرونة. الأردن بحاجة إلى تعزيز استقراره الداخلي وبناء تحالفات إقليمية ودولية قوية، مع التركيز على توظيف القانون الدولي كأداة لمواجهة الأطماع الإسرائيلية. فكما أن إسرائيل ليست أبدية، فإن التحديات الراهنة ليست قدرًا محتومًا، بل يمكن التغلب عليها بوحدة الصف والإرادة الصلبة.