خرائط إسرائيل المزعومة.. مجرد فقاعات أم تهديد حقيقي؟
قال المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن ما نشهده اليوم ليس سوى "بالونات اختبار" تمهيدًا لطرح أجندات مستقبلية تسعى إسرائيل إلى تمريرها، مستغلةً عودة دونالد ترامب إلى السلطة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه المناورات تهدف، في جوهرها، إلى الترويج لمشروعات كبيرة تصبّ في سياق تحقيق أهداف أوسع، إذ تبدأ بطرح مشروعات كبرى، قد تبدو غير قابلة للتنفيذ، ليُصار لاحقًا إلى تطبيق نسخ أصغر منها، ما يجعلها تبدو أقل وطأة وأخف وقعًا.
وبيّن الحوارات أن إسرائيل، ضمن استراتيجيتها المستقبلية، تسعى لاستثمار وجود ترامب لإعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة، تمهيدًا لما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى" الممتدة على أراضٍ تشمل فلسطين التاريخية وأراضي مجاورة، وهذه المساعي تمهّدت بقوانين مثل "قانون أساس: إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي"، الذي ينصّ على أن حق تقرير المصير في الأرض الممتدة "من البحر إلى النهر" يقتصر على اليهود فقط.
الأردن وضرورة الردع
بالنسبة للأردن، عليه أن يتحلّى بالحذر وأن يتمسك بحقه في الرد على الحكومة الإسرائيلية، لا سيما منذ أن أقدم الوزير الإسرائيلي سموتريتش على نشر خارطة تضم الأراضي الأردنية أثناء زيارته لباريس، فهذه الخارطة لم تكن مجرد حادثة عرضية؛ إذ إنها كانت صادرة عن عضو في الحكومة الإسرائيلية، وليس مجرد فرد عادي، وفي حينه، كان يمكن للأردن اتخاذ إجراءات حازمة وموقف شديد الصرامة تجاه دولة الاحتلال، والتذرع بهذه الخارطة الكاذبة لفرض عقوبات سياسية ودبلوماسية عليها، وفقًا لما صرّح به الحوارات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
تفنيد الروايات الإسرائيلية: التاريخ لا يرحم الأكاذيب
من الناحية التاريخية، نوّه إلى أنه يمكن بسهولة دحض الادعاءات الإسرائيلية المتعلقة بدولة "إسرائيل الكبرى". الأبحاث الأثرية، التي أجراها كبار المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، فشلت في إيجاد أي دليل قاطع على وجود دولة إسرائيلية تاريخية ممتدة. النصوص التي تعتمد عليها هذه الرواية هي نصوص مختلقة، لا قيمة علمية أو تاريخية لها.
ولو كانت هناك مملكة إسرائيلية حقيقية في التاريخ القديم، لكانت آثارها محفوظة مثل آثار الحضارات الأخرى كالفرعونية، والبابلية، والآشورية، والفارسية. لكن غياب أي دليل مادي، رغم عقود طويلة من التنقيب، يؤكد أن هذه المزاعم ما هي إلا جزء من مشروع استعماري استيطاني، يهدف إلى تكريس الاحتلال والتوسع على حساب شعوب المنطقة.
دعوة إلى تحالف علمي محايد
في هذا السياق، يمكن لدول المنطقة الاستعانة بفريق دولي من علماء التاريخ والآثار من مختلف الجنسيات، لإجراء بحوث محايدة تكشف حقيقة هذه الادعاءات، بدلًا من ترك الساحة خاضعة لعلماء الآثار الإسرائيليين الذين، على الرغم من انتمائهم لدولة الاحتلال، قدّم البعض منهم أدلة تُكذّب الرواية الإسرائيلية الرسمية.
الجغرافيا السياسية: خط أحمر دولي
من الناحية القانونية، الخرائط الجيوسياسية الحالية للدول لا تزال محكومة باتفاقيات دولية مثل "سايكس-بيكو"، وأي عبث بهذه الخرائط قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الكيان الإسرائيلي نفسه، الذي يعتمد وجوده على توازنات جيوسياسية هشّة. لذلك، محاولات إسرائيل لإعادة رسم الخرائط السياسية قد تكون قصيرة الأمد، ولن تتجاوز عقدًا أو عقدًا ونصف من الزمن، خصوصًا في ظل التحولات المستقبلية لموازين القوى.
إسرائيل: قوة مؤقتة أم هيمنة دائمة؟
وأكد الحوارات أن إسرائيل اليوم تشعر بفائض من القوة، بعد انتصاراتها على خصومها الإقليميين، إلا أن هذه الهيمنة ليست أبدية؛ ذلك أن موازين القوى تتغير عبر الزمن، وأي تغيير في الجغرافيا السياسية لصالح إسرائيل الآن سيؤدي إلى تداعيات مستقبلية قد تهدد الكيان نفسه.
الأردن والفلسطينيون: وقت التفكير الاستراتيجي
بالنسبة للأردن والفلسطينيين، جاء الوقت لتبنّي استراتيجيات براغماتية، بعيدة عن الخطابات الرنانة التي لا تحقق أهدافًا ملموسة، إلى جانب ضرورة حشد الدعم الدولي وفق رؤية تستند إلى القانون الدولي يمكن أن يُثمر في مواجهة سياسات إسرائيل التوسعية.
تفكيك أسطورة "المظلومية الإسرائيلية"
إسرائيل لم تعد قادرة على ادعاء أنها دولة ضعيفة محاصرة بأعداء يهددون وجودها. بالعكس، هي اليوم قوة إقليمية مدعومة عالميًا، ترفض السلام وفق شروط عادلة، وتفرض هيمنتها على المنطقة. جرائمها في غزة، لبنان، وسوريا كشفت زيف "المظلومية التاريخية" التي تروّجها.