الجماعات الجديدة في سوريا... شرارة بانتظار إيران
في تصريح أثار تساؤلات وتحليلات متباينة، أعلن أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، عن احتمال ظهور "جماعات جديدة" في سوريا، قائلًا إن هذه الجماعات ستتولى مهمة مواجهة إسرائيل.
هذا التصريح الذي بدا للوهلة الأولى جزءًا من خطاب المقاومة التقليدي لإيران أثار جدلًا واسعًا حول طبيعته وأهدافه، لاسيما في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي أعادت ترتيب أولويات طهران في المنطقة.
تصريحات أحمديان تأتي في وقت يشهد فيه الدور الإيراني في سوريا تحولات ملحوظة. بينما كانت إيران تعتمد على قوات محلية وحلفاء إقليميين مثل حزب الله اللبناني كأدوات رئيسية لتعزيز نفوذها في سوريا، يبدو أن المعادلة بدأت تتغير.
القيادي السابق في الحرس الثوري، حسين الله كرم، أشار إلى أن إيران قامت بتدريب وتجهيز حوالي 150 ألف عسكري سابق ليشكلوا "نواة عسكرية" جديدة داخل سوريا. ووفقًا له، فإن الهدف الرئيسي لهؤلاء هو مواجهة إسرائيل، والتصدي لهيئة تحرير الشام ومجموعات المعارضة المسلحة الأخرى، بالإضافة إلى التعامل مع السلطات الجديدة التي بدأت تتشكل في مرحلة ما بعد الحرب السورية.
على جانب آخر، تبرز تصريحات قيادات إيرانية حول الحوثيين في اليمن كإشارة إلى تحول استراتيجي لافت. إيران، التي لطالما اعتمدت على حزب الله كركيزة أساسية في استراتيجيتها الإقليمية، باتت تواجه واقعًا مختلفًا. اغتيال عدد كبير من قيادات حزب الله وتدمير جزء كبير من بنيته العسكرية جراء الحروب المتعاقبة أضعف قدرته على لعب دوره التقليدي كذراع عسكري وسياسي لإيران. نتيجة لذلك، بدأ الحوثيون بالظهور كبديل استراتيجي محتمل.
في اليمن، أثبت الحوثيون قدرتهم على تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي، ما جعلهم أداة فعّالة لإيران في محاولتها توسيع نطاق تأثيرها في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر. التصريحات الإيرانية الأخيرة حول "الجماعات الجديدة" في سوريا قد تحمل أبعادًا مشابهة، حيث يبدو أن طهران تعمل على إنشاء شبكات نفوذ متعددة الأبعاد، تتوزع بين سوريا واليمن وأماكن أخرى، لضمان استمرار تأثيرها في المنطقة.
إحدى التطورات المثيرة للاهتمام جاءت عقب حرب غزة الأخيرة، حيث لوحظ أن الحوثيين ضاعفوا اتصالاتهم الإقليمية في أعقابها. هذا التطور قد يعكس رغبة إيران في توظيف هذا التوسع للتعويض عن تراجع دورها التقليدي في سوريا ولبنان. في المقابل، يبدو أن التحركات الإيرانية في سوريا تهدف إلى تعزيز حضورها الإقليمي، ليس فقط لمواجهة إسرائيل ولكن أيضاً لضمان بقاء نظام الأسد ضمن دائرة النفوذ الإيراني في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى.
كما أن إعلان إيران عن تدريب "150 ألف عسكري" قد يكون جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى بناء قوة محلية متماسكة في سوريا تخدم أهداف طهران بعيدة المدى. هذه القوة قد تصبح بمثابة خط دفاع أول ضد التحديات الداخلية والخارجية، فضلاً عن كونها أداة لمواجهة الأطراف الأخرى التي تنافس إيران على النفوذ في سوريا، سواء كانت تركيا، أو الولايات المتحدة، أو روسيا.
رغم تصريحات القيادات الإيرانية، يبقى السؤال الأهم: ما هي طبيعة هذه "الجماعات الجديدة"؟ وهل ستكون قادرة فعلًا على مواجهة إسرائيل كما تدعي طهران؟ أم أن الهدف الحقيقي يتمثل في تعزيز النفوذ الإيراني داخل سوريا وتوسيع شبكات التحالفات الإقليمية؟.
في الوقت ذاته، هناك تساؤلات حول مدى استدامة هذا النهج. إذ تواجه إيران تحديات اقتصادية وسياسية داخلية قد تعيق طموحاتها الإقليمية. كما أن القوى الدولية والإقليمية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات طهران لإعادة تشكيل خارطة النفوذ في سوريا واليمن.
ما يبدو واضحًا هو أن إيران تعمل على تنويع أدواتها وشبكات نفوذها في المنطقة. "الجماعات الجديدة" في سوريا قد تكون جزءًا من لعبة أكبر تهدف إلى تعزيز مواقعها الإقليمية في مرحلة ما بعد الحرب السورية، ولكن نجاح هذه الخطة يبقى مرهونًا بقدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، في وقت أصبحت فيه الساحة الإقليمية أكثر تعقيدًا وتشابكًا.