صفقة الرهائن... هل إسرائيل في مأزق أم حماس؟

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية والأمريكية الصحافي خالد خليفة، إن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى ظلت راكدة ومهملة منذ شهر مايو/أيار الماضي، دون أن يُوليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي اهتمام يُذكر، بينما بذل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي مُني حزبه الديمقراطي بخسارة لصالح الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب، جهودًا كبيرة خلال تلك الفترة لإقناع نتنياهو بالمضي قدمًا في الصفقة وفتح باب التفاوض مع حركة حماس.

وأوضح خليفة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن محاولاته لم تُكلل بالنجاح، حتى بمساندة فريقه الذي يغلب عليه دعم إسرائيل والمصالح الصهيونية، وعلى رأسه وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

وبيّن خليفة أن نتنياهو استمر في اتباع سياسة المماطلة والتدمير الممنهج لقطاع غزة، بالإضافة إلى شن عمليات عدائية على جنوب لبنان، أما الديمقراطيون في الولايات المتحدة، فقد تكبدوا خسارة انتخابية مدوية قبل شهرين فقط، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فتحت وطأة الضغوط الشعبية الداخلية والرأي العام الإسرائيلي، بدأت حكومة نتنياهو تُبدي إشارات لإعادة النظر في مسألة التفاوض مع حماس لإطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين، الذين يُقدر عددهم حاليًا بأكثر من 100 شخص بين مدنيين وجنود.

وفي ظل هذا الوضع، استدعت الإدارة الأمريكية بشكل عاجل دولًا مثل قطر ومصر للمساعدة في إجراء مفاوضات مكثفة بهدف التوصل إلى اتفاق على الصفقة في أسرع وقت ممكن، قبل نهاية ولاية بايدن، ومع ذلك، تُظهر حكومة نتنياهو ترددًا واضحًا وعدم جدية في التوصل إلى اتفاق نهائي مع حركة حماس، خاصة إذا تعلق الأمر بالانسحاب من قطاع غزة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر خليفة أن هذه المفاوضات، التي تتسم بالعبثية، تفتقر إلى أي مكاسب حقيقية للطرف الآخر، فبالرغم من أن إسرائيل تحتجز أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني، تشير التقديرات إلى أن أقصى ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل هو الإفراج عن 1000 إلى 1200 أسير فلسطيني مقابل 100 رهينة إسرائيلي.

ونوّه إلى أن إسرائيل فرضت فيتو على إطلاق سراح أكثر من 60 أسيرًا فلسطينيًا من ذوي الأحكام العالية، ومن بينهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وآخرون، كما اشترطت إسرائيل ترحيل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين المتوقع الإفراج عنهم إلى دول خارج فلسطين، مثل تركيا وإيران، إضافة إلى ذلك، ترفض إسرائيل توقيع اتفاقية شاملة ومُلزمة تقضي بإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين. وبدلًا من ذلك، تسعى إلى توقيع اتفاقية تدريجية تُنفذ على مراحل متعددة، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالية عدم الالتزام الكامل ببنود الصفقة، كما حدث في نوفمبر 2023، حينما لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ الصفقة التي تم الاتفاق عليها آنذاك.  

واستطرد خليفة قائلًا إن هذه المناورات تُعد جزءًا من تكتيكات إدارة الصفقة، حيث تدير حركة حماس التفاوض عبر الوسطاء، في وقت تواصل فيه إسرائيل عمليات القصف المكثف على قطاع غزة، مستهدفة البنية التحتية السكانية والمدنية في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، وفي الميدان، يواصل الجيش الإسرائيلي انتشاره في شمال القطاع، تحديدًا في منطقتي جباليا وبيت لاهيا، بالإضافة إلى سيطرته على محور فيلادلفيا ومعبر رفح ومنطقة نتساريم في الوسط.  

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أقدم على إخلاء المستشفيات، بما في ذلك المستشفى الإندونيسي ومستشفى كمال عدوان، من المرضى والجرحى، بهدف تقويض أي شكل من أشكال الحياة للسكان الفلسطينيين في تلك المناطق، ورغم هذه الإجراءات التصعيدية، لا نسمع الكثير من الإدانات أو الاستنكارات من الجانب القطري أو المصري أو الأمريكي، الذين يتوسطون في هذه المفاوضات، تجاه ما ترتكبه إسرائيل في شمال القطاع وجنوبه.  

في هذا السياق، يمكن القول إن مطالب الجانب الفلسطيني واضحة ومحددة، حيث تتمثل في وقف كامل وشامل لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي تام من شمال القطاع، مع السماح لسكان جنوب قطاع غزة بالعودة إلى منازلهم، بالإضافة إلى الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا ومعبر رفح ومنطقة نتساريم.  

في المقابل، تتبنى الحكومة الإسرائيلية موقفًا متعنتًا، حيث تماطل في الاستجابة لتلك المطالب، مكتفية بطرح انسحاب جزئي من محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم، في الأثناء، يحاول الجهاز العسكري الإسرائيلي إقناع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بجدوى الانسحاب من مناطق واسعة في القطاع، في ظل تغير استراتيجيات حركة حماس، التي تحولت من العمليات العسكرية التقليدية إلى حرب العصابات، ما كبّد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية يومية فادحة.  

ورغم الضغوط الداخلية والدولية المتزايدة، يبدي نتنياهو نوعًا من التكيف مع المعطيات الجديدة على أرض المعركة، إلا أنه يظل متمسكًا بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى على مراحل متعددة، وهو ما ترفضه قيادة حركة حماس بشكل قاطع، حيث يصر قادتها الذين يديرون المفاوضات على إتمام الصفقة دفعة واحدة.  

وأشار خليفة إلى أن نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الجنرال دان هرئيل، قال في مقابلة إذاعية: "لقد آن الأوان لتعترف إسرائيل بأن حماس لم تستسلم في هذه الحرب، بل تكبدت هزيمة تكتيكية فقط خلال معركة استمرت أكثر من خمسة عشر شهرًا، لكنها قادرة على إعادة بناء قوتها العسكرية. لذا، من الأفضل توقيع اتفاق تبادل أسرى معها، لأن عدم التوقيع سيؤدي حتمًا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد مع الفلسطينيين، وهو ما يجب على إسرائيل تجنبه عسكريًا".  

وعليه، توصل العديد من المسؤولين الإسرائيليين في الأجهزة العسكرية، والسياسية، والإعلامية إلى قناعة مفادها أن استراتيجية نتنياهو الحالية محكوم عليها بالفشل، وستفضي في نهاية المطاف إلى خسارة إسرائيل في هذه الحرب الممتدة.  

ويبقى الغموض يكتنف قرار نتنياهو بشأن التوقيع على الصفقة. فهل سيقرر المماطلة بانتظار عودة دونالد ترامب إلى السلطة، على أمل تحقيق مكاسب أكبر من الصفقة؟ أم أنه سيدرك أن الوقت عامل حاسم، وأن إهداره سيؤدي إلى تفاقم الخسائر البشرية على الجانبين، وانتهائه بتوقيع صفقة قد لا تشمل أسرى أحياء؟

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير