الأردن وسوريا... من حقائق الجوار إلى معادلة المصالح

{title}
أخبار الأردن -

رصد

علّق وزير التخطيط الأسبق الدكتور إبراهيم سيف حول الدلالة السياسية لزيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي الأخيرة لدمشق، بقوله إنها جاءت في التوقيت المناسب، ولم يكن هناك تأخير كما قد يعتقد البعض.

وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا القرار يُبرر بالعديد من الاعتبارات، أبرزها القرب الجغرافي بين البلدين، فضلًا عن الطبيعة المعقدة والمتشابكة للعلاقات الأردنية-السورية، والتي تمتد جذورها إلى ما قبل الأحداث التي عصفت بسوريا عام 2010 و2011.

وبيّن سيف أن العلاقة بين البلدين تاريخيًا تتسم بتداخلات سياسية مكثفة، تراوحت بين الإيجابية والسلبية، لكن رغم ذلك، كانت الروابط قائمة بشكل دائم، فقد كانت سوريا قبل عام 2010 الشريك التجاري الأول للأردن، حيث بلغ حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين حوالي 700 مليون دولار سنويًا، أما اليوم، فنحن نواجه مشهدًا أكثر تعقيدًا، تتداخل فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية والقانونية بشكل لا يمكن تجاهله.

في الجانب الأمني، مثلت قضايا التهريب، سواء للأسلحة أو المخدرات، مصدر قلق عميق للأردن في السنوات الأخيرة، حيث استنزفت هذه التحديات موارد البلاد بشكل كبير. ورغم المناشدات الأردنية للتعاون في هذا المجال، إلا أن الاستجابة من الجانب السوري لم تكن بالمستوى المطلوب. كذلك، هناك قضايا استراتيجية أخرى تتعلق بالمياه والتكامل الغذائي، وهي مجالات تتطلب تنسيقًا مشتركًا لتحقيق المنافع المتبادلة.

وأشار سيف إلى أن العلاقة بين الأردن وسوريا ليست خيارًا يمكن تجاوزه أو تأجيله؛ فهي علاقة حتمية تفرضها الجغرافيا والتاريخ والعمق الاستراتيجي، مؤكدًا أن تنظيم هذه العلاقة وإعادة بنائها على أسس جديدة هو أمر لا مفر منه، إذ علينا أن نكون فاعلين في صياغة المرحلة القادمة، بحيث نُسهم في وضع أطر قانونية ودستورية ومؤسسية تُعزز هذه العلاقة بما يخدم مصلحة الطرفين.

مع ذلك، من الضروري أن تُبنى هذه العلاقة على مبدأ "رابح رابح"، بحيث لا تكون مجرد علاقة قائمة على التجارة أو إعادة الإعمار فحسب، بل علاقة استراتيجية بعيدة المدى. يتعين علينا استثمار المزايا الأردنية لإعادة هذه الشراكة إلى مسارها الصحيح، خاصة أن الإشارات الأولية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة تبدو إيجابية، وتعكس رغبة حقيقية في تطوير العلاقة بشكل متوازن ومتكامل، وفقًأ لما صرّح به سيف.

ونوّه إلى أن الإدارة السورية الجديدة، من جهتها، أولت أولوية قصوى لتحقيق الاستقرار الأمني، باعتباره الأساس الذي يُمكّنها من التفكير في إعادة الإعمار، سواء على مستوى الاستثمارات، أو استعادة الخدمات الأساسية مثل البنية التحتية، وأنه من الجدير بالذكر أن هذه الإدارة لم تتنصل من أي اتفاقيات سابقة، رغم وجود بعض الاتفاقيات المجحفة التي ترغب في إعادة النظر فيها. ومع ذلك، فإنها لم تعتبر هذه الاتفاقيات لاغية، وإنما أكدت استمرار العمل بها في إطارٍ يعكس مرونة وذكاء في التعامل مع الإرث القائم.

واستطرد قائلًا إنه لا شك أن سوريا خرجت من صراع داخلي وخارجي عنيف، وشهدت في السنوات الثلاث الأخيرة اعتداءات متكررة من إسرائيل استهدفت العديد من المؤسسات، سواء العسكرية أو المدنية، فضلًا عن العقوبات الاقتصادية. كذلك، لعب قانون "قيصر" دورًا كبيرًا في تقييد النظام المالي والتكنولوجي، ما أدى إلى إضعاف النظام السوري بشكل كبير. واليوم، إذا أردنا التفكير بسوريا، فإن القطاعات الأساسية، مثل الصحة والتعليم، تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، وكذلك الإطار القانوني والبنية التحتية. كل ذلك يتطلب جهدًا كبيرًا لإعادة بناء المؤسسات وفق أسس حديثة تواكب التحديات الراهنة.
من بين المجالات التي يمكن للأردن وسوريا التعاون فيها، يأتي قطاع الطاقة على رأس القائمة، فعلى سبيل المثال، ما الذي يمنع تصدير الطاقة إلى سوريا ومنها إلى لبنان؟، الإجابة تكمن في العقبة الرئيسية، وهي قانون "قيصر"، وعدم الحصول على استثناءات منه، بالإضافة إلى التعقيدات المالية المرتبطة بهذا القانون. لذلك، يجب العمل على إلغاء هذا القانون ورفع الحصار المفروض، بهدف تهيئة الأطر اللازمة لعودة النشاط الطبيعي في سوريا.

ولفت سيف الانتباه إلى أن هناك فرص كبيرة للتعاون في مجالات التصنيع والخدمات وتكنولوجيا المعلومات، حيث يمكن إنشاء مشاريع مشتركة في المناطق الصناعية والتجارية التي كانت قائمة قبل الأحداث. بالتأكيد، هناك أيضًا متطلبات أمنية وسياسية يجب أخذها في الاعتبار.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير