من خطاب القوة إلى واقعية الميدان... ماذا بعد نضوج تفاهمات حزب الله وإسرائيل؟
رصد
قال عميد كلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للعلوم السياسية والدراسات الدولية، الأستاذ الدكتور حسن المومني إن لبنان يُعَدُّ أحد الأطراف الرئيسية في هذا المشهد المركّب، إذ تتداخل أدواره مع إسرائيل والقوى الإقليمية والدولية.
وأوضح لدى حديثه لقناة "المملكة"، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إيران تبرز كلاعب محوري، جنبًا إلى جنب مع دول عربية رئيسية مثل السعودية، والأردن، ومصر، مع استمرار التفاعل مع سوريا بدرجة متفاوتة، مضيفًا أنه لا يمكن إغفال حالة التنسيق المتينة إيران وسوريا؛ إذ تتكامل مصالحهما بشكل يصعب فصله.
وبيّن المومني أن جزءًا أساسيًا من التفاهمات الأخيرة يتعلق بدور حزب الله، لا سيما في مسألة المعابر الحيوية بين لبنان وسوريا، وهذه التفاهمات لم تكن وليدة اللحظة؛ بل تشكلت عبر سلسلة من التطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية، فاللافت أن هذه التحولات لم تكن مقتصرة على الساحة الإقليمية فقط، بل تأثرت أيضًا بتغيرات داخلية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والدور المتوقع للرئيس دونالد ترامب، المعروف بعلاقته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
منذ السابع من أكتوبر، عندما طرح حزب الله شعار "وحدة الساحات"، بدأت وتيرة الوساطات تتسارع، مع دخول أطراف دولية فاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهذا الحراك أدى إلى خلق بيئة ضغط مكثفة على جميع الأطراف، خاصة حزب الله، الذي وجد نفسه أمام متغيرات ميدانية وإقليمية فرضت عليه إعادة النظر في مواقفه وخطابه، وفقًا لما ذكره.
على الجانب الآخر، ذكر المومني أن إسرائيل اعتمدت في الأشهر الأخيرة نهجًا تصعيديًا تجاه حزب الله ولبنان، تمثل في عمليات اغتيال مركزة وعمليات عسكرية مؤثرة، وهذه السياسة، التي استهدفت بنية حزب الله العسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية، أحدثت اختلالات جوهرية في توازن القوة.
وفي هذا الإطار، يبدو أن إيران اتخذت موقفًا براغماتيًا يعكس إدراكها لخطورة استمرار النزيف العسكري والميداني لحزب الله، فهي ترى أن إيقاف الخسائر الحالية يُعد مكسبًا استراتيجيًا، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة، كما أن هذه الخطوة تحمل رسالة إيجابية للإدارة الأميركية المقبلة، في محاولة لإعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل الأجواء السياسية المتوترة.
واستطرد المومني قائلًا إن إسرائيل، بدورها، أظهرت استعدادًا لقبول تفاهمات تهدف إلى خفض التصعيد، إدراكًا منها لحجم ما حققته ميدانيًا، فقد تمكنت من تقويض قدرات حزب الله بشكل كبير، من تدمير جزء واسع من ترسانته الصاروخية إلى ضرب شبكاته المالية وتحييد بعض رموزه، وهذه النتائج عززت ثقة إسرائيل في جدوى عملياتها العسكرية وأتاحت لها مرونة أكبر في التعامل مع الضغوط الدولية للتهدئة.
ونوّه إلى أن ما يبرز هنا هو مستوى البراغماتية الذي أظهره الطرفان، إيران وحزب الله، في التعامل مع هذه التطورات، فإيران، رغم استخدامها حزب الله كأداة استراتيجية في المنطقة، تدرك حدود الصدام المباشر مع إسرائيل، خاصة في ظل الخوف مما يُعرف بـ"عامل ترامب"، الذي أثار قلقًا واسعًا ليس فقط لدى إيران، بل لدى قوى إقليمية ودولية أخرى.
ولفت المومني الانتباه إلى أن هذه التفاهمات ليست سوى انعكاس لتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، فهي محاولة لاحتواء صراع تتشابك فيه المصالح والأهداف، مع إدراك كل طرف لحقيقة أن المكاسب في هذه المرحلة تُقاس بمدى قدرته على تجنب المزيد من الخسائر.