أبو رمان: هذه طريق الأردن لمواجهة التغير المناخي
قال خبير الترابط بين قطاعات المياه والطاقة والبيئة، الدكتور غازي أبو رمان، إن التغير المناخي أحد أبرز التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العالم اليوم، إلا أن تأثيراته على الأردن تأخذ بعدًا أكثر حدة بسبب الخصائص الجغرافية والمناخية التي يتميز بها.
وأوضح أبو رمان في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" أن الأردن يُعد من الدول الأكثر ندرة في الموارد المائية، إذ تقل معدلات الأمطار عن 200 ملم في أكثر من 90% من أراضيه، ويترافق ذلك مع تحديات اقتصادية واجتماعية نتيجة النمو السكاني، والهجرات القسرية، والضغوط الإقليمية.
وبيّن أبو رمان أن هذه التحديات تؤثر بشكل مباشر على رؤية الأردن الاستراتيجية للأمن الوطني، إذ إن الأمن الغذائي والمائي هما ركيزتان أساسيتان لأي استراتيجية تستهدف استقرار الدولة وتنميتها، والتغير المناخي، من خلال تهديده لهذين المجالين، يُعد تهديدًا مركزيًا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ما يجعل مواجهته ضرورة قصوى وليست خيارًا.
وأكد أن الأردن يدرك أن مواجهة التغير المناخي تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين التكيف مع تأثيراته والحد من مسبباته، ولذلك، أطلقت الحكومة الأردنية السياسة الوطنية للتغير المناخي (2022-2050)، التي تُعد خارطة طريق طويلة الأمد تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز قدرة المملكة على التكيف مع الآثار السلبية للتغير المناخي، لا سيما في مجالي المياه والزراعة.
وعن الأبعاد الرئيسية للسياسة الوطنية، أكد أبو رمان ضرورة إدارة الموارد المائية، من خلال مشاريع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، مثل مشروع الناقل الوطني، الذي يعد مشروعًا استراتيجيًا لتحلية المياه المالحة وتوفير مياه الشرب، إلى جانب تعزيز مشاريع الحصاد المائي وتطوير البنية التحتية للمياه لتقليل الفاقد الذي يصل إلى نسب مرتفعة تُقدر بنحو 50% في بعض المناطق، وإعادة استخدام المياه العادمة المُعالجة في الزراعة والصناعة، مما يعزز من كفاءة استخدام الموارد.
أما الزراعة المستدامة، فقد أشار إلى إمكانية التوسع في تطبيق تقنيات الزراعة الذكية، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد لتحسين إنتاجية المحاصيل باستخدام كميات أقل من المياه، وتشجيع زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف والملائمة للظروف المناخية القاسية، ودعم الابتكار في نظم الزراعة المائية والزراعة العمودية لزيادة الإنتاجية في ظل شح الأراضي الزراعية.
وهناك الاقتصاد الأخضر، الذي ركّز عليه أبو رمان بقوله إنه من الضروري تعزيز ممارسات الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي من خلال مبادرات مثل جائزة الملك عبد الله للاستدامة والاقتصاد الدائري التي أُطلقت بالشراكة بين مركز الملك عبد الله الثاني للتميز ووزارة البيئة، بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات الكربونية، إذ وصلت نسبة الطاقة المتجددة إلى نحو 29% من مزيج الطاقة الوطنية.
وبيّن أن التعاون الإقليمي والدولي يظهر من خلال تعزيز الشراكات مع الدول المجاورة لإدارة الموارد المائية المشتركة مثل نهر اليرموك وحوض الديسي، رغم التحديات السياسية واللوجستية، والانخراط في الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق باريس للمناخ، والاستفادة من التمويل الدولي المخصص لدعم التكيف مع التغير المناخي، مثل صندوق المناخ الأخضر.
ولحماية أمنه الغذائي والمائي، أشار أبو رمان إلى أن الأردن يعتمد على حزمة شاملة من الإجراءات الاحترازية، بما فيها مشاريع مبتكرة في الري، من خلال التحول إلى تقنيات الري بالتنقيط، التي أثبتت فعاليتها في تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 60%، واستخدام تقنيات الاستشعار لتحديد احتياجات المحاصيل المائية بدقة.
وهناك أيضًا تقليل الاعتماد على الواردات الغذائية من خلال تحسين الإنتاج الزراعي المحلي من خلال تشجيع المزارعين على استخدام الأساليب الحديثة، وزراعة المحاصيل ذات القيمة الغذائية والاقتصادية العالية، وتقليل هدر الغذاء من خلال تحسين سلسلة التوريد واعتماد برامج للتوعية العامة.
ولزيادة كفاءة استخدام الموارد المائية، نوّه أبو رمان إلى ضرورة تعزيز إعادة استخدام المياه العادمة المُعالجة بنسبة تصل إلى 20% من إجمالي استخدام المياه في المملكة، وتحسين إدارة السدود وتوسيع قدرتها التخزينية للاستفادة من كل قطرة ماء.
وعن التحديات والسياسات الحالية، ذكر أنه وعلى الرغم من المبادرات والسياسات التي تنفذها الحكومة الأردنية، فإنها تواجه تحديات جوهرية تعيق تحقيق أهدافها، ومنها: ضعف التنسيق المؤسسي، ما يعيق التنسيق بين الوزارات المعنية تنفيذ المشاريع الكبرى بكفاءة، ما يؤدي إلى تأخير الإنجاز وضياع الموارد، إلى جانب نقص التمويل، إذ تُعد مشروعات التكيف مع التغير المناخي مكلفة، وتعتمد بشكل كبير على التمويل الدولي، مما يجعل الأردن عرضة للتقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية، جنبًا إلى جنب مع التغيرات الإقليمية والتوترات السياسية مع بعض الدول المجاورة، مع ما تُعرقله من تنفيذ مشاريع مشتركة، مثل مشروع ناقل البحرين، الذي توقف بسبب ضعف التفاهمات السياسية.
ولدفع قدرة الأردن على مواجهة التغير المناخي، يحتاج- وفقًا لأبو رمان- إلى إنشاء مراكز متخصصة لدراسة تأثيرات التغير المناخي، وتطوير تقنيات منخفضة التكلفة لتحلية المياه والزراعة المستدامة، وتعزيز التعاون مع الجامعات والمؤسسات الدولية لإجراء أبحاث مشتركة تدعم اتخاذ القرار المبني على الأدلة، إلى جانب إنشاء هيئة مركزية لإدارة موارد المياه والزراعة، تضمن التكامل بين القطاعات المختلفة وتُسرع من تنفيذ المشاريع الكبرى، وتطوير شبكات حديثة لتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية.