الكرادشة لـ"أخبار الأردن": مستقبل الأردنيين يعتمد على إدارة التغير
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بجميع أشكالها جزءًا لا يتجزأ من حياة المجتمع، حيث فرضت نفسها كأحد المحاور الرئيسية التي تتحكم في التفاعل الاجتماعي وتوجيه الرأي العام، لا سيما في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها المجتمعات اليوم، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
وأسهم تسارع التطورات التكنولوجية المتصلة بهذه المنصات في دفع المجتمعات نحو مرحلة انتقالية غير مسبوقة، من خلال التأثير العميق على مختلف جوانب الحياة اليومية للفرد، مما أدى إلى إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية وطبيعة التواصل بين أفراد المجتمع.
وتُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم آلية فعالة لتبادل المعلومات والتحكم في تدفقها بشكل غير محدود، مما يجعلها تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل الوعي المجتمعي. فهي لا تقتصر على تعزيز المعرفة، بل تمتد لتشكيل القيم والمعتقدات، وكذلك الأنماط السلوكية الفردية والجماعية. هذه التأثيرات قد تحمل جوانب إيجابية، مثل تمكين المرأة والدعوة للمساواة، لكنها قد تنطوي أيضًا على مخاطر كبيرة، منها تعزيز النزعة الفردية والانخراط في السلوكيات الضارة اجتماعيًا، مثل الجريمة أو الانعزال الاجتماعي.
أستاذ علم الاجتماع، الدكتور منير الكرادشة، يرى أن هذه التحولات في طبيعة التواصل الاجتماعي لها تأثيرات عميقة على بنية المجتمع الأردني، مشيرًا إلى أن الاعتماد المتزايد على هذه الوسائل، خاصة من قبل الفئات الشابة، أدى إلى تآكل دور المؤسسات الاجتماعية التقليدية مثل الأسرة والمدرسة.
وأوضح الكرادشة في تصريح خاص لصحيفة "أخبار الأردن"، أن هذه المؤسسات كانت تمثل سابقًا المصدر الرئيسي لتشكيل وعي الأفراد وتوجيه سلوكياتهم، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي استحوذت اليوم على هذا الدور بشكل كبير، مما جعلها تشكل تحديًا حقيقيًا للقيم الاجتماعية الراسخة.
وأكد أن هذه الوسائل، رغم ما توفره من فرص هائلة للتفاعل والمشاركة، تمثل أيضًا سيفًا ذا حدين؛ فمن جهة، تسهم في تعزيز الوعي المجتمعي بقضايا هامة وتتيح تبادل الأفكار والمواقف بين الأفراد بطرق لم تكن ممكنة سابقًا، بينما تعرض المستخدمين، من جهة أخرى، خاصة الشباب، لمخاطر الانحرافات الفكرية والسلوكية، التي قد تساهم في تعزيز القيم السلبية، مثل الفردية المفرطة والانعزال الاجتماعي، وهو ما يؤثر في النهاية على التماسك الاجتماعي.
وأشار الكرادشة إلى أن المجتمع الأردني بات يواجه ضغوطًا متزايدة للتكيف مع هذا الواقع الجديد، إذ تتغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في كل تفاصيل الحياة اليومية، من التواصل الشخصي وحتى التفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية. مضيفًا أن هذا الاستخدام المكثف لهذه المنصات قد خلق نوعًا من التشابك بين الأفراد وفضائهم الافتراضي، حيث أصبحت المعلومة متاحة بسرعة هائلة، مما يزيد من التحديات أمامهم في كيفية التمييز بين المعلومات الدقيقة والزائفة، وما يرافق ذلك من تأثير على القيم والمواقف تجاه القضايا المجتمعية.
واختتم حديثه بالقول إن مستقبل المجتمع الأردني يعتمد بشكل كبير على قدرة مؤسساته المختلفة على إدارة هذا التغير، عبر توجيه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي نحو تعزيز القيم الإيجابية، وتشجيع الأفراد على التفكير النقدي والمشاركة الفعالة في بناء مجتمع متماسك يوازن بين التفاعل الرقمي وحفظ القيم التقليدية.