السبايلة لـ"أخبار الأردن": هذا هو مستقبل الشرق الأوسط

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، الدكتور عامر السبايلة، إنه لا يمكن اعتبار السابع من أكتوبر حدثًا عابرًا؛ فهو يعد من الأحداث المفصلية في الشرق الأوسط، وسيفتح حقبة جديدة لا تشبه ما قبلها.

وأوضح في حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المنطقة تشهد نقطة فاصلة في التاريخ المعاصر، على غرار دخول صدام حسين إلى الكويت في عام 1990، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في معادلات القوة والسلطة في الشرق الأوسط، وصياغة مسارات سياسية واقتصادية جديدة ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم. لكن إذا ما نظرنا إلى السابع من أكتوبر، نجد أنه يمثل أكثر من مجرد حدث أمني أو عسكري؛ إنه مفترق طرق لإسرائيل والمنطقة بأسرها.

وبيّن السبايلة أن ما حدث في هذا اليوم لم يكن مفاجئًا بالكامل لإسرائيل، وفكرة التعامل مع الجبهات السبع لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت مدار بحث وتحضير منذ سنوات، سواء مع الولايات المتحدة أو مع حلفائها الإقليميين والدوليين. فإسرائيل لم تتعامل مع هذا السيناريو على أنه احتمال بعيد، بل كانت هناك تدريبات مستمرة ومحاكاة لكيفية مواجهة هذه الجبهات إذا ما انفتحت دفعة واحدة. وبالتالي، يمكن القول إن السابع من أكتوبر جعل هذا السيناريو المتخيل استحقاقًا واقعيًا بالنسبة لإسرائيل، وجعل التعامل معه ضرورة وجودية.

إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمي

ومن هنا، بدأت إسرائيل فورًا التحرك نحو غزة، ليس فقط لمحاصرة المقاومة الفلسطينية أو تفكيك خلاياها المسلحة، بل لتفكيك كل الساحات التي يمكن أن تشكل خطرًا على المدى القريب أو البعيد. هذا التحرك الإسرائيلي يتجاوز مسألة الحماية الأمنية، ويدخل في إطار مشروع استراتيجي أكبر لإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية بما يتوافق مع مصالحها. لذلك، لا يمكن لأي دولة غربية أن تتحدث عن سيناريو السابع من أكتوبر بمعزل عن دعم إسرائيل، فهي ترى في هذا اليوم نقطة لا عودة، يجب من خلالها ضمان عدم تكرار هذا الحدث مرة أخرى مهما كان الثمن، وفقًا للسبايلة.

وأضاف السبايلة أن إسرائيل الآن في خضم عملية تفكيك للساحات التي تراها مصدرًا للتهديد، وهي تسير على خطى واضحة تتمثل في الاستفراد بكل جبهة على حدة، وفتح الملفات الإقليمية واحدة تلو الأخرى. هذا يعني أن ما بدأ كعملية أمنية لا يمكن أن ينتهي عند هذا الحد. نحن أمام مرحلة جديدة، حيث سيتحول الأمر من كونه مسألة أمنية إلى قضية سياسية بامتياز. القضية الفلسطينية، التي كانت دائمًا محور النزاع، أصبحت الآن استحقاقًا سياسيًا تسعى إسرائيل لتشكيله وفق رؤيتها الخاصة.

تغيير الواقع الجغرافي على الأرض

وفي هذا السياق، تسعى إسرائيل لتغيير الواقع الجغرافي على الأرض، سواء في غزة أو في الضفة الغربية. فالضفة الغربية تشهد بالفعل تغيرات ملموسة على الأرض، من خلال توسيع المستوطنات والسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية. أما غزة، فهي الساحة الأهم حاليًا، حيث تسعى إسرائيل إلى تقليص نفوذ المقاومة الفلسطينية هناك، وربما إعادة صياغة الوضع السياسي والأمني للقطاع بما يتناسب مع مصالحها، كما صرّح السبايلة.

وعن لبنان، قال السبايلة إن لبنان لن يبقى خارج هذه المعادلة، حيث تظهر الأحداث الحالية بوضوح أن إسرائيل لا ترى في القرار الأممي 1701 مرجعية ثابتة. هذا القرار، الذي تم تبنيه بعد حرب لبنان الثانية في عام 2006، يهدف إلى تحقيق الاستقرار على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. لكن ما يجري على الأرض يثبت أن إسرائيل لم تعد ترى في هذا القرار أي قيمة عملية. التحركات الحالية تشير إلى أن لبنان سيشهد تغييرات سياسية كبرى، وربما إعادة صياغة للنظام السياسي بما يخدم التوازنات الإقليمية الجديدة.

إسرائيل تستعد لضرب إيران وسوريا

أما بالنسبة لإيران وسوريا، فالوضع لا يختلف كثيرًا، إذ تستعد إسرائيل لضرب إيران وسوريا، ليس فقط في إطار مواجهتها مع حزب الله أو الميليشيات المرتبطة بإيران، بل كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. ما يعني أن السابع من أكتوبر يمثل بداية هذه المرحلة الجديدة من المواجهة الإقليمية، والتي ستطال الجميع دون استثناء. ما يجري اليوم هو مقدمة لسيناريوهات أكبر ستظهر معالمها في المستقبل القريب.

وأضاف السبايلة أن الواقع الذي نتجه إليه هو شرق أوسط جديد بكل معنى الكلمة، لكن ليس بالشكل الذي تم الحديث عنه نظريًا في المؤتمرات الدولية السابقة. هذه المرة، التغيير يحدث على الأرض، والجغرافيا السياسية للمنطقة تعيد تشكيل نفسها بما يتوافق مع التغيرات الكبرى في موازين القوى. نحن نشهد الآن انتقالًا تدريجيًا من مرحلة سيطرة الميليشيات والسلاح إلى مرحلة جديدة تتطلب إعادة التفكير في الأمن والاستقرار كجزء من مشروع اقتصادي أوسع.

مشاريع اقتصادية كبرى

هذا المشروع، الذي يدعمه المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع، يرتكز على تحويل المنطقة إلى حاضن جغرافي لمشاريع اقتصادية كبرى، مثل مشروع الممر الهندي-الأوروبي، الذي يعتبر بديلًا لطريق الحرير الصيني. يعتمد هذا المشروع على بنية تحتية جديدة تربط المنطقة بالاقتصاد العالمي عبر سكك حديدية ومعابر برية وبحرية تربط بين دول المنطقة والعالم. ما يعني أن فكرة الميليشيات والسلاح لم تعد تتناسب مع الواقع الاقتصادي الجديد الذي يتم تشكيله.

وفي الختام، أكد السبايلة أن ما نراه اليوم هو خطوات عملية نحو تهيئة المنطقة لمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والسياسي. هذا التحول سيشمل الجميع دون استثناء، وسيعيد رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط بما يتوافق مع التحديات الجديدة. في المستقبل القريب، ستكون الساحة الفلسطينية محور الاهتمام.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير