سلاسل التوريد وأهميتها في إنقاذ الأردن... خبيرتان تضعان خارطة الطريق

{title}
أخبار الأردن -

 

صرّحت خبيرة سلاسل التوريد العالمية، الدكتورة مها الشيخ، بأن تعزيز أمن سلاسل التوريد يتطلب تبنّي استراتيجيات شاملة ترتكز على استثمارات مستدامة في البنية التحتية، واعتماد التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، إلى جانب إدارة فعّالة للمخزون الاستراتيجي.

ونوّهت الشيخ في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، إلى أن غياب هذه الجهود سيبقي الاقتصاد الأردني عرضة للتأثر بالأزمات الخارجية، مما يفضي إلى اضطراب في تدفق السلع الحيوية ويهدد استقرار الأسواق.

وأوضحت الشيخ أن أمن سلاسل التوريد بات اليوم من الركائز الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على استدامة الاقتصادين العربي والعالمي، فالاقتصادات الحديثة تعتمد بشكل جوهري على تدفق مستمر للسلع والخدمات، بدءًا من المواد الأولية وصولًا إلى المنتجات النهائية والطاقة. وفي ظل هذا الاعتماد، تبرز الأزمات الجيوسياسية كعامل رئيسي يؤثر على استقرار واستمرارية سلاسل التوريد.

وفي العديد من الدول العربية، يرتبط استقرار سلاسل التوريد ارتباطًا وثيقًا بالظروف السياسية والأمنية، التي غالبًا ما تكون غير مستقرة. فالشرق الأوسط، على سبيل المثال، يُعدّ من أكثر المناطق اضطرابًا من الناحية الجيوسياسية، حيث تؤدي الاعتداءات، مثل الهجوم الغاشم من قبل إسرائيل على فلسطين، ولبنان، وسوريا، واليمن، إلى تعطيل طرق التجارة الحيوية وإحداث نقص في السلع الأساسية التي يعتمد عليها السكان.

وعلى الصعيد العالمي، تواجه سلاسل التوريد تحديات إضافية مثل العقوبات الاقتصادية والكوارث الطبيعية التي تسهم في تعطيل الطرق اللوجستية أو توقف الإنتاج. ومن بين هذه الأزمات، الأزمات البيئية كالجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل زلزال تركيا وسوريا، وما تسبّب به في شلل اقتصادي كبير، حيث تعطلت الموانئ والطرق الحيوية، ما أدى إلى تأخير حركات الشحن وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية.

وقالت الشيخ إن الأزمات الجيوسياسية تساهم في فرض عقوبات اقتصادية على بعض الدول، مما يحدّ من قدرتها على استيراد وتصدير السلع. على سبيل المثال، العقوبات المفروضة على إيران أضرت بشبكات تصدير النفط والغاز، ما أدى إلى اضطراب سوق الطاقة العالمي، بينما أدت الحرب المستمرة في اليمن إلى تعطيل واردات الأغذية، مما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب اعتماد البلاد الكبير على الاستيراد لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.

علاوة على ذلك، يشكل الأمن السيبراني تهديدًا متزايدًا على سلاسل التوريد. فالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الرقمية في عمليات الشحن واللوجستيات يضع الأنظمة اللوجستية تحت تهديد الهجمات السيبرانية التي يمكن أن تعطل الأنظمة الإلكترونية وتوقف تدفق البضائع. وقد شهدت المنطقة العربية عددًا من الهجمات السيبرانية التي استهدفت موانئ ومطارات رئيسية، مما أثر بشكل مباشر على حركة التجارة الإقليمية.

وبينت الشيخ أن الأردن، الواقع في قلب المنطقة العربية، يواجه تحديات مضاعفة فيما يتعلق بأمن سلاسل التوريد. فمن جهة، يعتمد الاقتصاد الأردني بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاته من المواد الغذائية والطاقة، ومن جهة أخرى، تؤثر الأزمات الجيوسياسية في الدول المجاورة مثل سوريا والعراق على حركة التجارة عبر الحدود. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد البلاد على ممرات بحرية محدودة يجعلها عرضة للأزمات الإقليمية أو الدولية التي قد تعطل هذه الممرات.

ودعت الشيخ إلى تبني استراتيجيات لتعزيز مرونة سلاسل التوريد، مثل التنويع في مصادر الإمدادات والاستثمار في الصناعات المحلية والمناطق الحرة؛ إذ إن الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية، مثل تحديث الموانئ والطرق وشبكات النقل، يُعدّ جزءًا محوريًا من الجهود المبذولة لتعزيز أمن سلاسل التوريد وضمان استدامتها على المدى الطويل.

وأكدت أهمية تبني التكنولوجيا في سلاسل التوريد، فالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يوفران للحكومات والشركات القدرة على التنبؤ بالأزمات قبل وقوعها، مما يساهم في تقليل التكاليف وزيادة كفاءة العمليات اللوجستية. كما يمكن أن تُحسن تقنية "البلوك تشين" من شفافية العمليات اللوجستية، مما يسهم في الحد من الاحتيال والفساد ويضمن تتبعًا دقيقًا لحركة السلع عبر الحدود.

وذكرت الشيخ أن إدارة المخزون الاستراتيجي يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الأردن لضمان توافر المواد الأساسية في حالات الأزمات. فالدول التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الأغذية والمواد الخام، مثل الأردن، تحتاج إلى تطوير سياسات فعالة لإدارة المخزون الاستراتيجي، بما يضمن توفير هذه المواد حتى في أوقات الأزمات والطوارئ.

بدورها، قالت الباحثة الاقتصادية في السياسات التجارية الخارجية، نارمين اللامي، إن هناك حاجة ملحة إلى تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية من خلال إنشاء إدارة متخصصة تهدف إلى تأمين سلاسل التوريد وتوطين الصناعات التكنولوجية المتقدمة.

وبيّنت في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ذلك يستند إلى تحليل دقيق لموازين القوى الإقليمية والدولية، وتسعى لاعتماد نهج استباقي يهدف إلى حماية السيادة الاقتصادية والتكنولوجية، وتعزيز قدرات الأردن التنافسية في عالم تزداد فيه أهمية الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.

وأوضحت اللامي أن أمن الأردن لم يعد يُختزل في القوة العسكرية وحدها، بل أصبح مرتبطًا بشكل مباشر بالقدرة على حماية سلاسل التوريد والتحكم فيها، خصوصًا في القطاعات التكنولوجية المتقدمة التي باتت تشكل عمودًا فقريًا لاستراتيجياتنا الدفاعية والاقتصادية، مشيرة إلى أهمية هذا المحور في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية.

وأشارت إلى أن الأردن لا يمكنه تحمل الاعتماد المتزايد على مصادر خارجية لتلبية احتياجاته من السلع والخدمات ذات التقنية العالية، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تقلبات سياسية واقتصادية تهدد استقرار سلاسل التوريد العالمية.

ودعت اللامي إلى إنشاء إدارة متخصصة تُعنى بتأمين سلاسل التوريد، الأمر الذي سيعمل على توفير مظلة حماية فعّالة ضد التهديدات الخارجية، ويمنح الأردن القدرة على استغلال موقعه الاستراتيجي ليصبح مركزًا إقليميًا للإنتاج والتصنيع المتقدم.

وقالت إن توطين الصناعات الحيوية، مثل التصنيع المتقدم، وتكنولوجيا المعلومات، وأنظمة الدفاع، لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها. لتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر رؤية متكاملة تعتمد على تنسيق وثيق بين مختلف الجهات: سياسات حكومية مرنة وفعّالة، استثمارات جريئة من القطاع الخاص، وتعاون أكاديمي على أعلى المستويات، لتكون النتيجة نظام بيئي تكنولوجي ووطني مستدام، قادر على التصدي للتحديات المستقبلية.

وأكدت اللامي أن هذا الجهد لن يكتمل دون تفعيل شراكات متينة بين القطاعين العام والخاص، والجامعات الرسمية، والمؤسسات الدولية، وسوق العمل. مشيرةً إلى أن هذه الشبكة من الشراكات هي السبيل إلى إيجاد منظومة متكاملة تضمن توطين التكنولوجيا وتطوير الصناعات المتقدمة، مع تأمين سلاسل التوريد الحيوية، بما يعزز مكانة الأردن كدولة ذات سيادة تكنولوجية واقتصادية متكاملة.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير