أرقام صادمة في نسبة مراهقي وأطفال الأردن المصابين بالاكتئاب.. ما الأسباب والحلول؟

أرقام صادمة في نسبة مراهقي وأطفال الأردن المصابين بالاكتئاب.. ما الأسباب والحلول؟

غادة الخولي 

بعد الإعلان عن دراسة وطنية مؤخرًا حول حالة الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في الأردن، والتي أظهرت أن 16.6% من الأطفال و23% من المراهقين في الأردن يعانون من أعراض اكتئاب حاد، بينما يعاني 24.5% من الأطفال و27.5% من المراهقين من أعراض قلق مرضي، أثارت جدلاً كبيرًا في المجتمع الأردني بين الأهالي والخبراء التربويين وأخصائيي الإرشاد والطب النفسي، حول أهمية تسليط الضوء على تلك النتائج والأرقام، وأهمية معرفة الأسباب التي أدت إليها، ووضع الحلول والمقترحات للحد من تفاقمها والسعي للقضاء عليها.

الخبير التربوي الدكتور محمد أبو عمارة قال إن الدراسة التي صدرت مؤخرًا وأظهرت حالة الصحة النفسية لعدد كبير من الأطفال والمراهقين في الأردن أنهم يعانون من أعراض اكتئاب حادة، وهي أرقام صادمة للخبراء التربويين والصحة النفسية.

وأوضح أبو عمارة في حديث لصحيفة أخبار الأردن الإلكترونية، الأحد، أن هذه الأرقام متوقعة بالأردن بشكلٍ أو بآخر لعدة أسباب.

مسؤولية أولياء الأمور

وأفاد أن السبب الرئيسي لتلك الأرقام الصادمة هو أن مصطلح الصحة النفسية غير مألوف لدى غالبية الشعب الأردني، مشيرًا إلى أن معظم العائلات لديها ثقافة أن الابن يحتاج الأكل والشرب واللباس دون النظر للصحة النفسية، وذلك لعملهم لساعات طويلة خلال النهار دون تخصيص أي وقت للجلوس مع أبنائهم والإدراك لحاجتهم للتربية والحنان والحب والتناغم بالأفكار والمشاعر، وتدريبهم على التعبير برأيهم بالحوار، وكل تلك الأمور لن يتعلموها أو يستمدوها إلا في محيط جوّ الأسرة وبكنف الوالدين.

وأضاف أبو عمارة أن حالات الانفصال المتعددة والكثيرة في مجتمعنا الأردني سواء بطلاق شرعي أو انفصال عاطفي، والتي وصلت لأرقام قياسية، تعد من الأسباب التي ساهمت في تأثيرها على الأبناء من الأطفال والمراهقين في إصابتهم بالقلق والاكتئاب، لافتًا إلى أنه في أغلب الأسر يكون الأب في عالم منفصل عن الأم وعن الأبناء ليصل بهم الأمر أن يعيشوا بحالة من الضياع ليولّد لهم خللًا نفسيًا شديدًا، خاصة في مرحلة الطفولة.

مسؤولية المدرسة والإرشاد النفسي والمناهج

وأكد أنه حين تتزعزع ثقة الطفل والمراهق بنفسه ويصبح لديه حالة من القلق والاضطراب ولم يتم معالجتها في وقتها وبشكل صحيح سوف تدوم وتستمر معه لأعوام طويلة.

وبحسب أبو عمارة، إيلاء موضوع الإرشاد النفسي في المدارس الحكومية والخاصة أمر هام للغاية، مبينًا أن المرشد النفسي في بعض المدارس الحكومية والخاصة موجود بشكل ظاهري ولكن دوره غير مفعّل بشكل جدي، ونجده يقوم بوظائف إدارية كمساعد للمدير أو سكرتير دون ممارسته لمهنة الإرشاد وحل مشاكل الطلبة في وقتها، بالإضافة إلى عدم عرض الإدارة على الطلبة بالذهاب إلى غرفة الإرشاد في غالبية المدارس.

وأكد أن غياب الإرشاد في المدارس الحكومية والخاصة بمرحلة الطفولة والمراهقة يعزز هذه المعضلة ويزيد من أسبابها.

وأردف أبو عمارة أن عدم وجود قنوات للحوار بين المعلمين والأباء والأمهات مع الطلبة يعمق من الشعور بالاضطرابات لديهم، مضيفًا أن أغلبية الطلبة عندما تطرأ مشكلة لديهم في حياتهم لا يجدون من يستطيعون التحدث لهم حولها، وقد تتحول من مشكلة بسيطة لتتفاقم لمعضلة أكبر بسبب عدم توفر الشخص المناسب بالوقت المناسب لحل تلك المشكلة.

وأشار إلى أن الخجل قد يصيب الطالب بسبب موقف محرج تعرّض له، وحين عدم تعديله في بدايته قد يتحول إلى مشكلة أكبر يسمى "الخجل المرضي".

وتابع أبو عمارة أن انتشار التنمر في المدارس من قبل الطلبة مع بعضهم أو من بعض المعلمين أو من الأهل والأقارب تجاه الطلبة يؤدي إلى زيادة انتشار الاكتئاب بين الأطفال والمراهقين.

وأفاد أن المناهج الدراسية بغالبيتها تغفل عن قضية الإرشاد النفسي والصحة النفسية، لافتًا إلى أن تلك المواضيع لم يتم التطرق لها بالمدارس أو من خلال حصص بحثية أو غرف إرشادية، بالإضافة إلى الإغفال عن توجيه الطالب إلى اللجوء للشخص المناسب في حال واجه أي مشكلة بحياته.

مسؤولية الإعلام والتواصل الاجتماعي

ولفت الى أن غياب التوعية المجتمعية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الرسمية وغير الرسمية، زاد من أعداد الأطفال أو المراهقين المصابين بالاكتئاب، "فنجد أنه قلما يتحدث مشاهير السوشيال والاعلاميين عن قضية الصحة النفسية".

أهمية الصحة النفسية ودور الأطباء النفسيين

ونوّه أن الأب والأم يعلمان أن الصحة هي فقط أن يتمتع الأبناء بالصحة الجسدية الجيدة، دون معرفتهما أن الصحة النفسية تعتبر أخطر بكثير من الصحة الجسدية.

وبيّن أن هناك قلّة في توفر الأطباء النفسيين والمتخصصين بالارشاد وإن توفروا فإن مراجعتهم تكون بتكاليف باهظة، منوّها أن العرف المجتمعي يخلق وصمة عار تلاحق من يراجع الأخصائيين النفسيين، مما تعيق العلاج أو قد تلغيه من قاموس البعض في حياته.

غياب برامج الترفيه

وأردف أبو عمارة أن غياب برامج الترفية واكتشاف الميول والمواهب وتعزيزها وتحقيق الذات بالرياضة والفن والرسم والتمثيل، عن المدارس الحكومية والخاصة لتكلفتها، مشيراً إلى أن عدم الاهتمام بها سيؤدي إلى تفاقم هذه القضية.

وتابع أن بعض الأهالي لا يتوفر لديهم ثقافة تعزيز موهبة أولاده في الرياضة أو الفن، مشيراً إلى أن الطالب غير المتميز دراسياً ومعرفياً يجب تسليط الضوء على الجوانب التي يبدع بها بميوله وتطويرها؛ لكيلا يشعر بتدنّي مستواه بين إخوته أو زملائه، والحد من لجوئه للانعزال والعدوانية أو التنمر أو إصابته بالقلق الدراسي والخوف من الامتحانات.

أثر العدوان على قطاع غزة

وأكد أبو عمارة أن الأردن محاطة بشلال من الدماء إثر الحروب التي تحيط بها، والعدوان على قطاع غزة:  "ونحمد الله على الأمن والأمان الذي يظلّ بظلاله على الأردن، لكنها تخلق للأطفال عند مشاهدتها عبر الأخبار حالة من القلق أو الخوف وعدم الاستقرار لديهم، خاصة عند مشاهدة القتل والتعذيب وفقدان الأهل في العدوان على قطاع غزة، كلها تزيد من تلك المشاعر لديهم وقد تزيد معهم عندما يكبرون"، وفق قوله.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).