المعايطة: زمن التدخلات الرسمية في الانتخابات انتهى وعصر التجاوزات الفردية بدأ

 

أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب، المهندس موسى المعايطة، أن الانتخابات القادمة ستكون نزيهة دون تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من الجانب الرسمي، لافتا إلى أن الهيئة "محصنة" من أي تدخل، ولا تقبل أن يفرض أحد وصايته عليها.

وأشار المعايطة في حوار مع الجزيرة نت، إلى أن الانتخابات القادمة تجري وفق قانون انتخابي جديد، والمجلس النيابي القادم يمثل الخطوة الأولى في مسار التحديث السياسي المنشود، وصولاً بعد ذلك إلى تشكيل الحكومات البرلمانية الحزبية.

وفيما يلي نص الحوار:

هل أنتم جاهزون لإجراء هذه الانتخابات إذا تعقّدت الظروف الإقليمية وفي ظل تبعات الحرب في فلسطين؟

الهيئة المستقلة للانتخاب تعمل وفق تواريخ محددة ضمن الاستحقاقات الدستورية والقانونية، وقد أعلنا سابقا أننا جاهزون لإجراء انتخابات مجلس النواب العشرين، منذ أن أصدر الملك أوامره بهذا الشأن، والجميع يعرف بأن المدة الدستورية لانتهاء عمر المجلس السابق، وهي أربع سنوات شمسية، تكون خلال الشهور الأربعة التي تسبق تاريخ الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

لذلك هذا استحقاق دستوري، ويجب أن نكون جاهزين للتعامل معه وفق خطط وبرامج مسبقة، وكذلك الحال بالنسبة لانتخابات البلديات ومجالس الحكم المحلي التي يقرر موعدها مجلس الوزراء بتنسيب من الوزير المختص ضمن السقوف الزمنية التي يسمح بها القانون.

لذلك لا يوجد ما هو مختلف في هذا الموسم الانتخابي عن المواسم الأخرى، فالهيئة المستقلة للانتخاب تعمل وفق مبدأ واضح الجاهزية لإجراء الانتخابات في أي وقت، سواء استدعت الحاجة ضمن المدد الدستورية، أو حتى خارجها.

ما هو الإطار المحدد لدوركم في إجراء الانتخابات والإشراف عليها؟ وما ردكم على اتهامات المعارضة بتدخل أجهزة نافذة في الدولة في الانتخابات؟

يأتي موقع الهيئة المستقلة للانتخاب في الدستور كمؤسسة ضامنة لنزاهة الانتخابات، وهي صاحبة الولاية في الإدارة والإشراف على جميع مراحل العملية الانتخابية، ولقد حصّن الدستور والقانون قرارات الهيئة من التبعية لأية جهة رسمية، ومنذ إنشائها عام 2012، كان الهدف هو ضمان أن تكون هي الجهة التي تدير وتشرف على الانتخابات كجهة محايدة تتوفر فيها شروط النزاهة والثقة.

لا ننكر وجود اتهامات بعدم نزاهة الانتخابات، لكن بإمكاننا النظر إلى تطور مفاهيم الاستقلالية بطبيعة أعمال الهيئة المستقلة للانتخاب، وتطبيق القانون بعدالة على الجميع، وبالتالي نؤكد أن عصر التدخلات الرسمية في العمليات الانتخابية قد انتهى.

لكن ما وجدناه مؤخرا هو بداية عصر التجاوزات الفردية من ناخبين أو مرشحين بقصد شراء الأصوات أو بيعها أو ممارسات متعددة من شأنها تعطيل سير العملية الانتخابية، كل ذلك من شأنه التأثير على المناخات الديمقراطية، والسعي لتعطيل مسارات تحديث المنظومة السياسية التي أكد الملك عبد الله الثاني على المضي فيها، والتزام الدولة بمبادئ التحديث عملا بحق الأجيال في مستقبل ديمقراطي والحق في المشاركة في اتخاذ القرار.

جرى تحويل بعض الشخصيات الحزبية مثل الأمين العام لحزب إلى المدعي العام خلال فترة تشكيل الكتل التي تسبق الانتخابات، ما خلفيات ورسائل هذه القرارات؟

نحن لا نتحرك إلا ضمن مساحات تحددها القوانين الناظمة لأعمالنا، وحدود تعاملنا مع الأحزاب هو مقدار التزامها بالقانون النافذ وشروطه، ولا نملك أي سلطة رقابية على الأحزاب باستثناء ما هو متعلق بالموازنات السنوية لمصادر تمويلها وأوجه النفقات، وهو ما ورد في نصوص قانون الأحزاب الحالي.

لكن هنا علينا أن نؤكد أن أي شكوى تصلنا نطلب من الحزب الرد عليها خلال المدد القانونية، وإذا لم يلتزم الحزب بالرد على الشكوى فيحال إلى المحكمة المختصة.

في مسألة أحد الأحزاب، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي منشورات تتحدث عن وقوع مخالفات محددة، وقد أصبحت المسألة قضية رأي عام، وبناء على ما تم نشره أرسل سجل الأحزاب في الهيئة إخبارا للنائب العام حتى يتحقق من صحة ما جرى تداوله ونشره.

وفي هذا الشأن نؤكد أن تحركنا جاء من منطلق صلاحياتنا في قانون الأحزاب ودورنا في تطبيق أحكامه، لكن الأجدر في مثل هذه الحالات هو أن تتوفر مرجعيات رقابية داخل الحزب نفسه، لتكون هي صاحبة الصلاحية في التحقق في المخالفات الداخلية ومحاسبة من يخطئ، وهذه أولى الممارسات الديمقراطية التي يجب على الأحزاب تكريسها وتجذيرها.

صور المرشحين وشعاراتهم تملأ الساحات والشوارع، لكن مع غياب البرامج الانتخابية كيف يمكن أن تنجح الرؤية الأردنية بجعل هذه الانتخابات حزبية، بينما الدعاية الانتخابية لم تختلف عما كانت عليه؟

لا بد من التذكير بأن هذه الانتخابات تمثل الخطوة الأولى في مسار التحديث السياسي المنشود، وقد لا تكون النسخة الأولى هذه المرة مثالية كما كنا نتمنى، لكن من شأن هذه الخطوة أن تحملنا نحو تطوير العمل السياسي من خلال إثبات الوجود الحزبي في البرلمانات.

قد اتفق معك على أن شكل الحملات الانتخابية لا يزال تقليديا ونمطيا، لكن في النتيجة وفي مواسم انتخابية مقبلة قطعًا ستتطور الأفكار، مع استقرار التشريع، والتطور الذي نريده تحديدا هو استهداف القوى الشبابية التي تمثل ما نسبته 45.5% من الناخبين تحت سن الـ35 عاما لهذه الدورة البرلمانية.

وعليه، فإن الحملات الانتخابية للأحزاب المرشحة لا بد أن تحاكي برامج الحزب، وأن تكون الشعارات تحمل ملخصا عن مبادئ الحزب وقيمه وأهدافه من المشاركة السياسية.

هل تعتقد أن التأسيس لبرلمان حزبي كان يمكن أن يكون أفضل لو لم تتدخل الدولة وأجهزتها في رسم ملامح ومضامين الأحزاب الجديدة التي يقول منتقدوها إن بعضها تأسس لغاية الحصول على مقعد برلماني؟

نحن نتعامل مع المشهد الحزبي وفق أحكام القانون النافذ، ودورنا أن نبقى على الحياد في أي جدال سياسي، سواء كان بين الأحزاب أو بين النخب، ونتمنى في الهيئة المستقلة للانتخاب على الجميع التريث في إصدار الأحكام، وتأجيل مرحلة التقييم إلى ما بعد إعلان النتائج، ومراقبة أداء المجلس المقبل، عندها قد نصل لأحكام أكثر دقة وموضوعية.

لا تزال جريمة الرشوة الانتخابية ماثلة للعيان وتبدو الدولة عاجزة عن تقييد هذه الجريمة كشراء ذمم الناخبين واستغلال فقرهم وحاجتهم، ألا يستدعي ذلك قبضة تنفيذية وقضائية حاسمة؟

هي جريمة وليست ظاهرة فقط، ولا أحد عاجز عن محاربتها، لكن علينا أن نتذكر أن طبيعة مكافحة شراء الأصوات تحتاج إلى أدلة دامغة، وبينات تسمح بإحالة من يرتكب هذه الجريمة إلى القضاء، لا نستطيع محاربة هذه الممارسات والظواهر من دون تكاتف جهود الجميع، وأول من عليه دور وواجب في هذا الشأن هو المواطن نفسه، وبعدها على المؤسسات المعنية أن تتحرك من أجل حماية إرادة الناخبين.

ثمة من لا يريد للتحديث السياسي أن يصبح واقعا بالأردن، فاللجان والاجتماعات تنتج أفكارا لكنها سرعان ما تفقد مضمونها بسبب تقييد حريتها من قبل قوى الشد العكسي، كيف يستوي ذلك مع قرار التحديث السياسي؟

هذه فرضية، ومن حق الجميع أن يتساءل، لكن علينا أن نقتنع بأن الطريق الوحيد نحو التحديث والتطوير والإصلاح هو التجربة والتقييم ثم تصويب أي خلل.

وعلى هذا النهج يجب أن نبقى متمسكين بالاستجابة لكل المستجدات، وأن نتعامل مع الأجيال وفق متطلبات عصرهم وليس عصرنا نحن، وعلينا وقف ممارسات الوصاية عليهم، فأجيال اليوم سبقتنا في الوعي والمعرفة، فهم يتابعون ما يجري في العالم، واستخدامهم لأدوات الاتصال والمعلومات تجعلهم متقدمين علينا.

هناك قوى حزبية ونقابية تعتقد أن الهيئة المستقلة للانتخاب ليست مستقلة بالقدر الكافي، وأن هناك من يتدخل في عملكم، فهل للحكومة وأجهزتها دور في عملكم؟

على من يدعي ذلك أن يثبت اتهامه لنا. الهيئة المستقلة للانتخاب محصّنة من أي تدخل، ولا نقبل أن يفرض أحد وصايته علينا، ونحن ندير عملية فنية، ونمتلك من الخبرات ما يؤهلنا للقيام بواجباتنا الدستورية والقانونية، ولا يملك أحد حق التدخل في أي مرحلة من مراحل العمليات الانتخابية.

نؤكد باستمرار أن جميع أعمالنا خاضعة لرقابة المراقبين الدوليين والمحليين والصحافة والإعلام، وقد حققت الهيئة تقدما في نسبة الثقة الشعبية باستطلاعات الرأي، وتلقينا إشادات دولية بمستوى ضمانات النزاهة لمراحل العمليات الانتخابية السابقة، بالإضافة لحماية البيانات، وحماية إرادة الناخبين، وأتمنى أن تتوقف ممارسات البعض بجلد الذات وتقزيم أي مُنجز وطني.

هناك من وصف الانتخابات البرلمانية وفق القانون الجديد بأنها تجربة بالذخيرة الحزبية، ما المؤمل من الأحزاب خلال الفترة المقبلة؟ وهل سنشهد حكومة برلمانية حتى لو كانت أحزاب المعارضة أحد أقطابها؟

أي حكومة حصلت على ثقة مجلس النواب هي حكومة برلمانية، بعد حصولها على ثقة الأغلبية النيابية، ولا تبقى إلا باستمرار شروط ثقة البرلمان بأغلبيته، وبرأيي من المبكر الحديث عن حكومات برلمانية حزبية، لأن مسار التحديث السياسي في خطوته الثالثة سيكرس برلمانا بأغلبية حزبية تمثل 65% على الأقل من مقاعد مجلس النواب.

عندها قد يصبح الأمر أكثر واقعية إذا ما ذهب القرار السياسي بتشكيل حكومات من الأغلبية الحزبية أو الائتلافات الكتلوية، وأعتقد أن أي طرح آخر من شأنه إحباط التجربة وليس استكمال متطلبات نجاحها، ولذلك علينا التمهل بخطواتنا ودراستها بدقة لكي لا نحبط الأجيال والمجتمع.