أمناء أمميّون هاجمتهم إسرائيل لقولهم الحق!
ردت إسرائيل على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بطريقة حادة وبشدة غير مسبوقة، وهي ماضية بسيوفها الحديدية لتنفيذ ما اعتزمت عليه، وهو القضاء التام على "حماس" وبأي ثمن.
إسرائيل على لسان وزير خارجيتها إيلي كوهين ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، طالبت غوتيريش بالاعتذار والاستقالة من منصبه عن قوله: "من المهم أن ندرك أن هجوم حماس لم يأت من فراغ".
بيان للخارجية الإسرائيلية اتهم غوتيريش بأن موقفه تجاه إسرائيل الذي عبر عنه خلال مناقشات في مجلس الأمن متحيز ومشوه، وهو أيضا "تبرير للإرهاب البشع في 7 أكتوبر"، وأنه "وصمة عار" على سمعة الأمم المتحدة.
كلمات غوتيريش فجرت غضبا إسرائيليا عارما، ودفعت وزير خارجيتها إلى التحدي ومقاطعة الأمين العام للأمم المتحدة، وإعلان تل أبيب أنها ستحرم مسؤولي الأمم المتحدة من تأشيرات الدخول إليها، ما يعني عمليا المزيد من تعقيد مصير المدنيين في القطاع، وزيادة عزلتهم وحرمانهم من أي أمل في تلقي مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة.
هذا التطور يأتي في وقت بلغ فيه عدد الضحايا في غزة جراء الغارات الإسرائيلية، بحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، نحو ستة آلاف شخص، أكثر من 2000 طفل و1300 امرأة، علاوة على إصابة أكثر من 18000 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
تصريح غوتيريش الذي فجر حنق المسؤولين الإسرائيلية بطريقة تجاوزت المعتاد، على الرغم من أنه ليس الأول من نوعه، نص على التالي: "من المهم أن ندرك أن هجوم حماس لم يحدث من فراغ. يعيش سكان فلسطين تحت الاحتلال الخانق منذ 56 عاما. لقد رأوا أراضيهم تمتلئ بالمستوطنات بشكل مطرد، وتعرضوا للعنف، وخنق الاقتصاد، ونزوح الناس، وهدمت المنازل. وآمالهم في التوصل إلى تسوية سياسية للحالة الصعبة تتلاشى أمام أعينهم. ولكن استياء الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يبرر الهجوم المروع لحماس، والهجوم المروع لحماس لا يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني".
رد الفعل اللافت صدر أيضا من الولايات المتحدة على لسان منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي أبدى استغرابه، وصرح بأنه لا يفهم ما يعنيه غوتيريش في حديثه عن أن "هجوم حماس لم يأت من فراغ".
كيربي جدد موقف بلاده من جهة الأخطار التي تهدد حياة المدنيين الفلسطينيين بقوله: "هذه حرب، هذه معركة وهي دموية، إنها قبيحة وستكون قذرة، وسيعاني المدنيون الأبرياء في المستقبل".
معركة إسرائيلية مشابهة مع الأمم المتحدة:
الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون كان تحدث عن المظالم المتواصلة التي يتعرض لها الفلسطينيون بطريقة مشابهة تماما أثناء ولايته مطلع عام 2016.
بان كي مون كان أبلغ هو الآخر مجلس الأمن، في معرض انتقاده تواصل الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنه "بعد قرابة خمسين سنة من الاحتلال وعقود من اتفاقات أوسلو، يفقد الفلسطينيون ولا سيما الشباب الفلسطينيون الأمل".
بان قال في كلمته أمام مجلس الأمن حينها إن "إحباط الفلسطينيين يتزايد تحت وطأة نصف قرن من الاحتلال وشلل عملية السلام"، مضيفا في هذا السياق قوله: "كما أثبتت الشعوب المضطهدة لعدة قرون، من الطبيعة البشرية أن تتفاعل مع الاحتلال، الذي غالبا ما يكون بمثابة حاضنة قوية للكراهية والتطرف".
في تلك المرة أيضا، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بان كي مون "بتشجيع الإرهاب"، وأضاف إلي ذلك قوله: "لا يوجد عذر للإرهاب".
كوفي عنان وأزمة "الرسالة السرية":
كوفي عنان الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة دخل هو الآخر في مناوشة مع إسرائيل، حين نشر المنظم الأممي رسالة سرية مؤرخة في 12 مارس 2002 موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت أرييل شارون.
كوفي عنان اتهم في تلك الرسالة السرية حكومة شارون أثناء محاولتها إخماد ما يعرف بالانتفاضة الفلسطينية الثانية "بإساءة استخدام القوة، ما أدى إلى مقتل مئات الأبرياء وتدمير العديد من المنازل والمباني".
الأمين العام للأمم المتحدة دعا شارون في تلك المناسبة على التأكد من أن الجيش الإسرائيلي "لا يستخدم سوى تلك الأسلحة وأساليب النضال التي تقلل من تهديد حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم".
تل أبيب اتهمت حينها الأمم المتحدة بأنها تصرفت بطريقة غير دبلوماسية بنشرها للرسالة السرية، وقال بيان للبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة: "إذا أرادت الأمم المتحدة المساهمة في إحلال السلام في الشرق الأوسط، فعليها أن تحاول إعطاء المزيد من الثقة لكلا الجانبين"، فيما وُصف نشر الرسالة بأنه غير مناسب بدرجة كبيرة ويتعارض مع أساسيات السلوك الدبلوماسي.
من خلال هذه المناسبات الثلاث، ومع الأخذ في الاعتبار تحفظ معظم الأمناء العامين للأمم المتحدة وتحاشيهم إغضاب الولايات المتحدة وإسرائيل، يبدو كما لو أن الأحداث في المنطقة تدور في دائرة مفرغة، ويصدق عليها التوصيف الذي يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فيما يؤكد موقف آخر أن العلة في سلوك البشر.