الكشف عن هوية “عرّاب التطبيع” في ليبيا والمسؤول عن التسريب

 

 
كشفت مصادر حكومية وبرلمانية خاصة لـ"عربي بوست" هوية من سمّته "عراب التطبيع" في ليبيا، وهو الذي قاد اجتماعات مسؤولين حكوميين من طرابلس مع إسرائيليين في عدد من الدول، من بينها 3 دول عربية، تمهيداً للقاء وزيرة الخارجية المُقالة نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

 

"عرّاب التطبيع" الليبي
إذ قالت مصادر عدة متطابقة، إن "الشخص الذي يعمل في الظل وكان يقود عملية التطبيع الليبي مع إسرائيل، هو إبراهيم الدبيبة"، ابن أخي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ومستشاره الخاص.

وأفادت بأن تحركاتها جميعها كانت بالتنسيق مع وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، الذي بدوره كان في تواصل دائم مع روما بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث إن إيطاليا كانت تستقبل اجتماعات بين الجانبين تتناول تفاصيل متعلقة بالتمهيد لعملية التطبيع، وقادت تلك الجهود لتحقيق ذلك.

وشدّدت على أن ابراهيم الدبيبة كان قد حضر بنفسه أغلب الاجتماعات التي تمت بين الليبيين والإسرائيليين في عدد من الدول، يرافقه وليد اللافي، وناقشا مع الإسرائيليين تفاصيل متعلقة بتطبيع العلاقات.

 

اجتماعات تمهيدية في دول عربية
كشفت المصادر أيضاً في حديثها لـ"عربي بوست"، أن عدداً من الدول، بينها عربية، استقبلت اجتماعات عدة مهّدت للقاء نجلاءالمنقوش وكوهين، موضحاً أنها الأردن في العقبة، وتونس العاصمة، وأبوظبي في الإمارات، في حين أن مصر والمغرب كانتا داعمتين لهذه اللقاءات، لكن دون استقبال أي اجتماع بينهما على أراضيهما.

كذلك فإن روما في إيطاليا وفرنسا كانتا من الدول التي استقبلت اجتماعات بين مسؤولين ليبيين وإسرائيليين، أبرزهم من الجانب الليبي إبراهيم الدبيبة، وكذلك وليد لافي، في حين أن الجانب الإسرائيلي كان يرسل مسؤولين إسرائيليين من بينهم مسؤولون في الموساد، وفي بعض الاجتماعات كان يحضر رئيس الموساد.

أوضحت المصادر أن اجتماعين هامين كانا مَن وضعا الترتيبات الأولية للقاء نجلاء المنقوش وكوهين، والأول في روما، في 9 أغسطس/آب 2023، حيث جرت الترتيبات بين وليد اللافي والسفير الإيطالي في طرابلس، جيانلوكا ألبيريني، بطلب من إبراهيم الدبيبة، في حين أن نجلاء المنقوش كانت هي الواجهة الرسمية من الحكومة التي ستتوج هذه الاجتماعات بلقاء هو الأول من نوعه بين مسؤول ليبي رفيع المستوى كوزير خارجية، مع نظيره الإسرائيلي، الأمر الذي جرى بالفعل في الفترة بين 19-22 أغسطس/آب في روما.

قبل ذلك كان هناك اجتماع تمهيدي آخر، جرى في مدينة العقبة في الأردن، حضره رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، وحضر فيه من الجانب الليبي إبراهيم الدبيبة، في مطلع أغسطس/آب 2023، وقبله اجتماع في 13 يناير/كانون الثاني 2022، وهو الاجتماع الذي سبق أن سُرب أيضاً، ولكن نفى صحته حينها عبد الحميد الدبيبة.

 

مَن سرّب اللقاء؟ وعلاقته بإبراهيم الدبيبة
بحسب مصدر حكومي مطلع، لـ"عربي بوست"، فإن من طلب تسريب هذا اللقاء من الإسرائيليين كان وليد اللافي نفسه، وذلك بطلب من إبراهيم الدبيبة، بهدف إنقاذ حكومة عمه عبد الحميد الدبيبة.

وأكد مصدر نيابي، وآخر من مجلس الدولة، أن طلب التسريب جاء من وليد اللافي كـ"ورقة أخيرة شعبوية"، في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من خسارة ظهيرها الداخلي، وكذلك الخارجي، لا سيما أن "هناك توجهاً دولياً لضرورة تشكيل حكومة وحدة جديدة في ليبيا تمهيداً للانتخابات".

أما على الصعيد الداخلي، فأوضحت المصادر أن "حكومة الدبيبة تعاني حالياً من الاعتراف بها حتى في طرابلس، وأن الحرب الأخيرة في طرابلس تسببت بوضع هش للدبيبة، إذ إن رئيس الحكومة لم تعد لديه سيطرة على الأرض، وهذا ما عكسته الاشتباكات المتكررة مؤخراً في العاصمة".

بالإضافة إلى أن قاعدته الشعبية الأساسية في مصراتة باتت ترفضه، وفقاً للمصادر، التي أوضحت أنه بات يُنظر إلى الحكومة في هذه المدينة على أنها "تعاني من فساد مستشرٍ، وتفرّد بالقرار، وأصبحت جميع الأطراف في الغرب الليبي، التي كانت داعمة للحكومة متفقة على إسقاطها".

وشددت على أنه "بعد أن باتت حكومة الدبيبة بلا ظهير داخلي أو خارجي، طلب إبراهيم الدبيبة من اللافي أن يقوم الجانب الإسرائيلي بتسريب اللقاء، الذي جرى بين نجلاء المنقوش وكوهين، والتضحية بها ككبش فداء"، وفق تعبيرها.

هذا المصطلح ذاته استخدمته نجلاء المنقوش بعد انتشار التسريب الإسرائيلي عن لقائها بوزير الخارجية الإسرائيلي كوهين، إذ قالت وفق بيان لمكتبها: "لن أكون كبش فداء، والدبيبة كان يعلم بلقاء كوهين".

وأضاف مكتبها: "الدبيبة مَن طلب من نجلاء المنقوش، بعد فضح أمر اللقاء، نشرَ بيان تقول فيه إنّ اللقاء كان بالصدفة ليضمن عدم فضحها له، إلا أنه بعد إصدار الوزيرة البيان قام الدبيبة بإيقافها عن العمل".

والأمر ذاته علّق عليه الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، عبر فيديو نشره على صفحته، قائلاً: "المنقوش تم التضحية بها ككبش فداء، هي لم تجتمع وحدها مع كوهين، وإنما كان معها وفد، والاجتماع كان تتويجاً لاجتماعات وتمهيداً لأخرى".

وقال: "في سبيل البقاء فإن حكومة الدبيبة مستعدة لأن تفعل كل شيء، فهي تخلت عن النفط لصالح شركات خاصة، وتريد أن تطبّع مع العدو الصهيوني، ربما يعطيها البقاء، ولهذا فإن ما قامت به نجلاء المنقوش ليس تصرفاً شخصياً أو فردياً، بل هي وزيرة في هذه الحكومة، وسبق أن أكد الدبيبة سابقاً أن ما تقوم به المنقوش أو تقوله هو بتنسيق تام معي، وأنا أتحمل المسؤولية".

في هذا الإطار، قالت المصادر إن "هدف وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، من خلال تسريب اللقاء إنقاذ الحكومة شعبياً، وإشغال الرأي العام عن الوضع الهش الذي باتت تعيشه حكومة الدبيبة، بعد تخلي أمريكا وإيطاليا عنه".

وأفادت بأن الأمور بدأت تزداد سوءاً بالنسبة لحكومة الدبيبة، بعد فشل مفاوضات صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة، بعد خلافهما حول بعض المناصب مثل الدفاع والتخطيط، وتغيير محافظ البنك المركزي".

وأشارت إلى أن انهيار هذه المحادثات أكد لدى الأطراف المتدخلة في ليبيا، أن حكومة الدبيبة لا يمكن أن تكون حكومة وحدة بين الشرق والغرب، وأنه دون ذلك لا يمكن الوصول إلى انتخابات، لذلك فإن المجتمع الدولي بدأ يرغب في دعم حكومة جديدة.

وحاول "عربي بوست" أخذ تصريح من الوزير اللافي وحكومة الدبيبة، تعليقاً على هذه المعلومات، إلا أنه لم يتلقَّ رداً حتى الآن، في حين أن مسؤولين فضّلوا الاعتذار عن التصريح.

يهود ليبيا

كشفت المصادر أيضاً عن ملف شهد تقدماً غير مسبوق بالنسبة للإسرائيليين خلال اجتماعاتهم مع المسؤولين الليبيين، وهو ما شكل دافعاً للاستمرار في عقد اللقاءات، وهو ملف "يهود ليبيا". 

وكان كوهين قد كشف في البيان الذي سرّب اجتماعه بنجلاء المنقوش، أنه "تحدثت مع وزيرة الخارجية عن الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين، فضلاً عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد". 

ويهود ليبيا مسألة عالقة بالنسبة للإسرائيليين منذ عهد معمر القذافي، إذ إنه بعد طرد اليهود من ليبيا على إثر أحداث النكسة في عام 1967، يطالب هؤلاء بتعويضات عن أملاكهم والضرر الذي لحقهم جراء إخراجهم من ليبيا.

وكان القذافي رافضاً عودتهم تماماً، ولكنه وعد مراراً بتعويضات لهم دون الوفاء بذلك، إلا أن الجديد في هذا الأمر ما قالت المصادر لـ"عربي بوست"، إن المحادثات بين الليبيين والإسرائيليين في روما تضمنت تعهدات من إبراهيم الدبيبة بأن الأمر لن يقتصر على تعويض يهود ليبيا، بل دعوتهم إلى العودة أيضاً، وهو ما رآه الإسرائيليون عرضاً كبيراً بسقف غير مسبوق".

وظلَّ هذا الملف يراوح مكانه منذ 56 عاماً، لم يطرأ عليه أي جديد رغم العديد من الوعود التي تلقاها اليهود الليبيون في عهد القذافي، أو في مرحلة ما بعد ثورة فبراير، التي اندلعت عام 2011، وحتى اللقاءات الأخيرة بين الليبيين والإسرائيليين.

وقالت المصادر إن "الهدف من ذلك أن مسؤولين في حكومة الدبيبة يرون أن ملف التطبيع مع إسرائيل قد يكون منقذاً للحكومة"، وفق قولها، مضيفة أنه "يهدف أيضاً إلى الاستفادة التجارية والاقتصادية من ذلك".

تقول بعض التقارير التي نشرها اتحاد عن اليهود الليبيين، إن لهم أصولاً وممتلكات "تصل إلى 20 مليار دولار، وتشمل الممتلكات المنقولة وغير المنقولة والأراضي ورؤوس الأموال في البنوك".

في إحصائيات عرضها "اتحاد يهود ليبيا"، في وقت سابق، فإن عدد اليهود من أصول ليبية يبلغ 120 ألف شخص عبر العالم، ويشمل الجيل الأول والثاني.

وعرف عن رئيس هذا الاتحاد رافييل لوزان، اليهودي الإيطالي، تصريح قال فيه: "لن تستقر ليبيا ما دمنا لم نأخذ حقنا".

وسبق أن أعلن لوزان عن وجود علاقة قوية تربطه بإبراهيم الدبيبة، وذلك في تصريحات علنية له عبر وسائل إعلامية غربية.

وبدأت الوزيرة المنقوش (50 عاماً) تولي منصب وزيرة الخارجية الليبية، اعتباراً من مارس/آذار 2021، في حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس.

وكانت صحف إسرائيلية رحّبت بما وصفته بأول اجتماع في التاريخ بين وزيري خارجية البلدين، بعد ما كشفته وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان، الأحد 27 أغسطس/آب 2023، بأن الوزير إيلي كوهين عقد اجتماعاً مع نظيرته الليبية في حكومة الوحدة نجلاء المنقوش في إيطاليا، الأسبوع الماضي، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.