الأطباء والشركات: من يدفع الثمن؟
حسين الرّواشدة
مَن على حق : نقابة الأطباء أم شركات التأمين ؟ الإجابة ،بالنسبة لمئات الآلاف من الأردنيين المنتفعين من التأمين الصحي الخاص ، غير مهمة ، فهم ليسوا طرفا في معادلة الصراع على المكاسب ، وإنما ضحايا - كالعادة- لما يجري من استقواءات بين الرابحين والخاسرين ، في بورصات انتزاع المزيد من المنافع والامتيازات .
هذا السؤال "الغلط " يستدعي سؤالا آخر اهم ، وهو أين إدارات الدولة مما يحدث ، ولماذا لم تتحرك وزارة الصحة أو البنك المركزي أو غيرهما من الجهات المسؤولة لحسم الخلاف بين الأطباء وشركات التأمين ، بما يحقق مصالح المرضى ايضا؟ معقول أن يأتي مطلع أيلول القادم ،ونجد أنفسنا أمام الجدار ، ثم نبدأ على -حساب صحة المواطن ومعاناته- ماراثون التفاهمات بتدخل رسمي؟
سأتجاوز ، عمدا، عن تفاصيل الخلاف بين النقابة والشركات حول نظام الصندوق التعاوني (تم إقراره 2018 )، وعن الاتهامات التي يتبادلها الطرفان لتبرير مواقفهما أمام الرأي العام ، أشير ، فقط، إلى أن المسألة المتعلقة بواقع " الطبابة" اكبر من ذلك واهم أيضا ، صحيح من حق نقابة الأطباء أن تدافع عن حقوق أعضائها ، لكن لا يجوز لها أن تختزل المشكلة في حدود هذه المصالح ، ولا يجوز لها، أيضا، أن تضع المستفيدين من التأمين وقودا لتصفية حساباتها مع الشركات، هذا لا يعني أن بعض شركات التأمين بريئة ، فهي، أيضا، تمارس على المشتركين بخدماتها، من المرضى وربما الأطباء ، شروطها وأوامرها، بمنتهى القسوة والمزاجية.
إذا كانت واقعة الخلاف الاخيرة، بين الأطباء و التأمين ، كشفت المسكوت عنه من سلوكيات الطرفين وأخطائهم(الثمن يدفعه المرضى في الغالب)، فإن فتح ملف " الطبابة" في بلدنا اصبح واجبا على إدارات الدولة المعنية ، للتذكير ، فقط، في عام 2018 تم اصدار قانون “المسؤولية الطبية والصحية”، كان يفترض – بالطبع – ان يحقق هذا القانون الموازنة بين حقوق المرضى وبين حماية ممارسي العمل الطبي، لكن ما حصل أن القانون أودع في الأدراج، ولم يطبق بسبب تعطيل المرتكزات الأساسية فيه .
ما دام القانون ما زال معطلا، اذن لا توجد مساءلة طبية، هذا يكفي للتذكير بأن ضحايا الأخطاء الطبية لن يجدوا ظهيرا ينصفهم ويعوضهم إلا ما تقرره لجان التحقيق الإدارية، أو ما يمكن ان تفرزه المداولات في المحاكم بعد وقت طويل (لا تسأل عن النظام التـأديبي في النقابة).
للتذكير ، ايضا، فيما يتعلق بتعديل لائحة أجور الأطباء، حدث ذلك قبل خمسة أعوام حين احتجت النقابات على مشروع قانون ضريبة الدخل، فأبرمت الحكومة – آنذاك- مع نقابة الأطباء صفقة التعديل، ودفع المواطن، ثمنها، وما يزال، بعدها رفضت النقابة نظام “الفوترة”، وبذلك حُرم المواطن من وجود ضابط للتسعيرة، كما حرمت الخزينة من إيرادات “التهرب الضريبي” التي تقدر بعشرات الملايين.
ما أريد أن أقوله ، هو أن ترسيم او ضبط العلاقة بين الأردنيين والقطاع الطبي الخاص( دعك من ملف القطاع الطبي العام الذي يحتاج الى حديث آخر طويل) ، بما فيه شركات التأمين ، في إطار تقديم أفضل الخدمات بالأسعار المناسبة ، وبما يضمن حق كل الأطراف ، هذا الترسيم ومعه المتابعة والمحاسبة ، اصبح ضروريا وملحا .
مسؤولية ذلك تقع على الحكومة أولا، كما أن هذا الواجب يتجاوز الخلاف الأخير إلى كل ما يتعلق بقضايا "الطبابة" ، ذلك أن هذا السوق المهم يحتاج إلى مراجعات واصلاحات جوهرية، والى مراقبة دائمة، بحيث نحافظ عليه ، ونضمن ان لا يتحول إلى "بازارات " على حساب صحة المريض ، وخزينة الدولة أيضا.