الأحزاب الوسَطية تتأرجح؛ نتيجة غياب الرؤية

الدكتور محمود المساد

مَن يستعرض العدد الكبير من الأحزاب الوسطية، يستغرب أنها لا تفكر عميقا ببرامجها الإصلاحية للواقع الذي قامت عليه، ونبتت في تربته، وعانت من مشاكله، ووضعت الخطط الإجرائية لتطويره والنهوض به لمستوى القوة والازدهار، على أسس العدالة وتكافؤ الفرص، والحرية، وسيادة القانون، وتغييب التمييز بأشكاله كافة. إنما تعدّه برنامجا لازم الوجود، وديكورا تفتخر به، وتراثا تحترمه، بوصفه أنه عند بعض الأحزاب قد مرّ عليه أكثر من ربع قرن، ولا تميل لتطويره، على الرغم من تغير الظروف، والمعطيات؛ ولذلك، فهو عمليا أولوية ثانوية .

ومن المعايشة والاحتكاك والحوار مع الكثير من الأحزاب الوسَطية التي تتفرّد بمجالات قوة عظيمة تميزها عن غيرها من أحزاب اليسار واليمين، حيث تنوّع أعضائها الفكري، والاقتصادي، والاجتماعي الذي يعكس تنوّع المجتمع تماما فيمنحها قوة إن أحسنت إدارته، ويمنحها ثراءً وواقعية إن دعمته، وصبرت عليه وعظّمت فيه القواسم المشتركة، فإن ما يميزها عن غيرها، ويميزها فيما بينها، هو طريق الفكر الذي أسسته عليه، والقناعات الإصلاحية التي تقف خلف مبادراته وأنشطته، فتراه أنه هو الأفضل في حلها لمشكلاته وتجاوزها لتحدياته.

وللحقيقة، وحتى نصدُق الناس، فإن هذه الأحزاب لا تكترث لبرامجها الإصلاحية؛ لأنها لا تملك الرؤية المستقبلية، ولا فنّ العمل الحزبي طويل المدى، بل هي تفكر في ليلها ونهارها في الانتخابات القادمة وكيف السبيل للفوز بمقاعد أكثرَ بوساطة ثلاثة معايير فحسب، أولها؛ درجة الموالاة التي تتراوح فقط بين الموالاة التامة، والموالاة العالية جدا، وثانيها؛ شخوص القيادة الذين يتقدمون الصفوف، ويُبعدون عنها وفقا لدرجة الرضا عنهم بحسب المعيار الأول، وثالثها؛ السمعة، وفبركة الإشاعات التي تصنع لدى عامة الناس تصنيف الأحزاب الوسَطية على مقياس رضا السلطة عنها ودعمها لها .

وأخيرا، لا بد من السؤال: هل هذه هي الأحزاب التي يستحقها الأردنيون لبناء دولتهم القوية المزدهرة كما يحلمون بها ؟

حماك الله يا وطني.