تسير 1200 كلم وتُشحن بـ10 دقائق.. ثورة هائلة ببطاريات سيارات الكهرباء
طفرة تكنولوجية تهدد بنزع عرش السيارات الكهربائية من تسلا والشركات الصينية وقد تقضي على السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، أعلنت عنها شركة تويوتا اليابانية، وأحدثت هزة في عالم السيارات عبر ما يعرف بـ"بطاريات الحالة الصلبة".
إذ تقول تويوتا إنها حققت طفرة تكنولوجية ستسمح لها بتخفيض وزن وحجم وتكلفة البطاريات إلى النصف، فيما يمكن أن يبشر بتقدم كبير للسيارات الكهربائية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسهم تويوتا بنسبة 13% منذ أن أعلنت الشركة عن خطتها للبطاريات الصلبة الشهر الماضي.
وقالت الشركة الثلاثاء الماضي، إنها قامت بتبسيط إنتاج المواد المستخدمة في صنع ما يعرف باسم بطاريات الحالة الصلبة، مشيدة بالاكتشاف باعتباره قفزة كبيرة إلى الأمام يمكن أن تقلل بشكل كبير من أوقات الشحن وتزيد من نطاق القيادة.
تويوتا كانت متهمة بالتقاعس في مجال السيارات الكهربائية
يمثل هذا الاختراق مفاجأة مزدوجة ليس فقط لأنه يهدد السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، وليس لأنه يأتي من خارج عمالقة صناعة السيارات الكهربائية وهما تسلا الأمريكية والشركات الصينية، ولكن لأنه يأتي من أكبر منتج للسيارات في العالم والذي تعرض لانتقادات، لأنه كان أبطأ من منافسيه في طرح السيارات الكهربائية.
بل إن تويوتا كانت إحدى شركات السيارات النادرة التي جاهرت بانتقاد الاتحاد الأوروبي في خطواته المتسارعة لفرض السيارات الكهربائية، حيث أصدر قراراً بمنع بيع السيارات الجديدة العاملة بالوقود الأحفوري عام 2035، كما أنها انتقدت الحكومة اليابانية، لأنها تسير وراء الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه، وهددت بنقل مصانعها من اليابان.
إذ ينظر لشركة تويوتا اليابانية أنها متأخرة في مجال السيارات الكهربائية عن الشركات الامريكية مثل تسلا ولوسيد، وكلك الشركات الصينية التي حققت تقدماً في مجال البطاريات على وجه الخصوص، فيما تبذل الشركات الأوروبية محاولات للحاق بالأمريكيين والصينيين.
ابتكار سيغير قواعد اللعبة وقد يضيق الفجوة بينها وبين تسلا
ونقلت صحيفة Financial Times البريطانية عن محللين، قولهم إن بطاريات الحالة الصلبة يمكن أن تكون "مُغيِّراً لقواعد اللعبة" لتضييق الفجوة بين تويوتا وتسلا (التي تفوق قيمتها السوقية تويوتا رغم الفارق الهائل لصالح عدد السيارات المنتجة لصالح تويوتا).
ورغم ارتفاع أسهم تويوتا بنسبة 13%، فإن هيروكي ناكاجيما، كبير مسؤولي التكنولوجيا بـ"تويوتا"، حذَّر من أن الشركة لا ترى بالضرورة أن التكنولوجيا هي "الحل النهائي" لتحديات البطاريات.
ما هي بطاريات الحالة الصلبة؟ اختراع قديم ولكن واجه مشكلة مزمنة منعت تطبيقه
تمثل بطاريات الليثيوم مصدراً أساسياً لتزويد الطاقة الكهربائية لنسبة كبيرة من السيارات الكهربائية في العالم، وتعمل هذه البطاريات بالمبادئ نفسها، بغض النظر عن موادها، حيث تنتقل أيونات الليثيوم بين القطبين الموجب والسالب عبر الإلكتروليت "الموصل".
أكثر أنواع البطاريات شيوعاً المستخدمة في السيارات الكهربائية هي بطارية الليثيوم أيون، وتُستخدم هذه البطاريات أيضاً في معظم الأجهزة الإلكترونية المحمولة، حسب موقع Energy Sage.
تستخدم بطارية الليثيوم أيون التقليدية سائل إلكتروليت الموصل للكهرباء مع فاصل بين الأقطاب يسمح للأيونات بالمرور.
أما بطارية الحالة الصلبة أو البطارية الصلبة التي يسعى العلماء لتوظيفها، فهي تقنية بطاريات تستخدم أقطاباً صلبة وإلكتروليتاً (موصلاً) صلباً، بدلاً من السائل أو الإلكتروليتات الهلامية البوليمرية الموجودة في بطاريات الليثيوم أيون أو بطاريات الليثيوم بوليمر.
وتتضمن بطاريات الليثيوم الحالية السائلة ما يعرف باسم التشعبات، وهي هياكل ليثيوم متفرعة تنمو من القطب الموجب.
المشكلة تكمن في هذه التشعبات، فقد تؤدي إلى التآكل وثقب أجزاء البطارية وتقليل الدائرة الكهربائية للخلية، كما أن السائل الذي يتحلل من الكهرباء هو مذيب قابل للاشتعال، وهو السبب الذي يقف وراء حرائق البطارية المركبة على متن الطائرات.
بطاريات الحالة الصلبة تقلل احتمالات الحريق
وصل العلماء في النهاية إلى حل لمنع نمو التشعبات، أزال بالفعل خطر نشوب حريق: وهو عبارة عن إلكتروليت صلب، غالباً ما يكون مصنوعاً من سيراميك مشابه لأشباه الموصلات، يحل محل السائل القابل للاشتعال ويمنع نمو التشعبات، فيما يعرف ببطاريات الليثيوم ذات الحالة الصلبة.
ولكن الطبيعة الهشة للسيراميك -التي تؤدي إلى تشققات- تفرض صعوبات تصنيع إضافية.
ولطالما اعتبر خبراء الصناعة أن بطاريات الحالة الصلبة هي أكثر التقنيات الواعدة لحل مشاكل بطارية المركبات الكهربائية مثل طول وقت الشحن والسعة المحدودة وخطر نشوب حريق.
إنهم يستبدلون إلكتروليت سائل بآخر صلب ويستخدمون معدن الليثيوم عند الأنود بدلاً من الغرافيت، وهو المعيار الحالي في بطاريات الليثيوم أيون.
لكن التكنولوجيا لا تزال باهظة الثمن ويصعب إنتاجها، مما يضطر شركات صناعة السيارات إلى التراجع عن إطلاقها، وتركيز جهودها على تطوير بطاريات ليثيوم أيون سائلة.
تقلل زمن الشحن
يعد طول فترة الشحن أحد أكبر عيوب السيارات الكهربائية مقارنة بالسيارات العاملة بالوقود الأحفوري.
إذا تمكنت تقنية بطاريات الليثيوم الصلبة من العمل في السيارات الكهربائية، فذلك يعني القدرة على إعادة شحن السيارة في الوقت نفسه (أو أقل) المطلوب لملء خزان الوقود بالبنزين أو السولار.
وتحتاج معظم المركبات الكهربائية حالياً إلى ثلاث ساعات على الأقل لإعادة الشحن، والشحن السريع يكون في أفضل حالاته في حدود نصف ساعة أو أكثر وعمرها يُتوقع أن يكون أطول.
ليس هذا فقط، يُعتقد أن بطاريات الحالة الصلبة قد تصل إلى أكثر 1000 دورة شحن، كما يمكن أن يصل عمر البطارية المتوقع إلى 25 سنة أو حتى نصف قرن، كما يقول الدكتور شين لي، أحد باحثي هارفارد الذين يعملون في مشروع لبطاريات الليثيوم الصلبة تابع لشركة أمريكية.
بطاريات الليثيوم أيون السائلة تفي بمعايير الصناعة الخاصة بشحنٍ أكثر من 1000 مرة قبل أن تتحلل بشكل كبير. "إذا كنت تقوم بتوصيل هاتفك خمس مرات في الأسبوع لمدة أربع سنوات، فقد شحنته بالفعل أكثر من ألف مرة".
شركة Solid Power التي تعمل على تجربة منفصلة عن تويوتا بشأن بطاريات الحالة الصلبة، تقول إنهم يدفعون لتجاوز الـ1000 دورة شحن.
ويقول دوج كامبل، الرئيس التنفيذي لشركة Solid Power، إن الشركة أمامها خمس سنوات لكي يمكن وضع بطارياتها في السيارات الاستهلاكية، وقد وقعت شركتا BMW الألمانية وFord الأمريكية اتفاقين معها كشريكين.
في عام 2021، قالت الشركة إنها تتفوق بسنوات على معظم الشركات المنافسة، وذلك بفضل أبحاثها حول تكييف تكنولوجيا تصنيع أيونات الليثيوم الحالية.
ولكن يبدو أن تويوتا لديها رأي آخر.
وتعرّف العالَم على سيارة كهربائية ذات بطارية صلبة في أولمبياد طوكيو، حيث قامت شركة تويوتا للسيارات، بالتعاون مع شركة باناسونيك لصناعات البطاريات، بتجهيز أسطول من سياراتها الاختبارية LQ بهذه البطاريات. يمكن رؤية LQ على شكل فقاعة بعد سباقات الماراثون للرجال والسيدات، وحتى إنها لعبت دور البطولة في الإعلانات التجارية للألعاب الأولمبية.
إليك ما تقوله شركة تويوتا عن بطارياتها الجديدة
وقالت الشركة اليابانية مؤخراً، إنها قامت بتبسيط إنتاج المواد المستخدمة في صنعها، مشيدة بالاكتشاف باعتباره قفزة كبيرة إلى الأمام يمكن أن تقلل بشكل كبير من أوقات الشحن وتزيد من نطاق القيادة.
قال هيروكي ناكاجيما، كبير مسؤولي التكنولوجيا بالشركة: "هناك أيضاً مجال لتحسين البطاريات التي تعتمد على السوائل". "سيكون جوهر منافسة بطاريات السيارات الكهربائية في النهاية هو القيمة المضافة للسيارة كمنتج، ومدى قدرتنا على التحكم في الحجم الإجمالي للبطاريات ومدى فعالية استخدامها".
ستكون أرخص بمقدار النصف
وقال كبير خبراء البطاريات في شركة صناعة السيارات اليابانية، إن "تبسيط عملية إنتاج مواد البطاريات من شأنه أن يخفض تكلفة تكنولوجيا الجيل التالي التي طال انتظارها".
قال كيجي كايتا، رئيس مركز البحث والتطوير لحيادية الكربون في شركة السيارات اليابانية: "بالنسبة لكل من بطارياتنا السائلة وذات الحالة الصلبة، فإننا نهدف إلى تغيير جذري في الوضع الحالي الذي تتسم فيه البطاريات بأنها كبيرة جداً وثقيلة ومكلفة، ومن حيث الإمكانات، سنهدف إلى خفض كل هذه العوامل إلى النصف".
وأضاف كايتا أنه من خلال تقليل عدد العمليات المطلوبة لصنع مواد البطاريات، يمكن خفض تكلفة بطاريات الحالة الصلبة إلى مستويات مماثلة أو أرخص من بطاريات الليثيوم أيون السائلة.
ومن المعروف أنَّ سعر البطاريات يمثل جزءاً كبيراً من تكلفة السيارات الكهربائية وهو الذي يجعلها عادةً أعلى من السيارات التقليدية، كما تمثل ضرورة تغيير البطاريات الباهظة الثمن بعد بضع سنوات عبئاً كبيراً على المستهلكين.
وقال ديفيد بيلي، أستاذ اقتصاديات الأعمال في جامعة برمنغهام، إنه إذا صح ما تقوله تويوتا، فقد تكون لحظة فارقة لمستقبل السيارات الكهربائية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وقال: "غالباً ما تكون هناك اختراقات في مرحلة النموذج الأولي ولكن بعد ذلك يكون من الصعب توسيع نطاقها.. إذا كان هذا اختراقاً حقيقياً، فقد يكون عاملاً في تغيير قواعد اللعبة".
تسير لـ1200 كلم وتُشحن خلال 10 دقائق، وإليك موعد الإنتاج
زعمت شركة تويوتا أنها حققت "اختراقاً تقنياً" لحل مشكلات المتانة و"حل للمواد" من شأنه أن يسمح للمركبة الكهربائية التي تعمل ببطارية صلبة بأن يبلغ مداها 1200 كيلومتر ووقت الشحن 10 دقائق أو أقل.
وتتوقع الشركة أن تكون قادرة على تصنيع بطاريات الحالة الصلبة لاستخدامها في السيارات الكهربائية بحلول عام 2027، وفقاً لصحيفة فايننشيال تايمز، التي أبلغت لأول مرة عن اختراق شركة تويوتا المزعوم.
تأتي هذه التعليقات بعد أن فاجأت أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم من خلال المبيعات، المستثمرين الشهر الماضي، بخطط لتسويق تكنولوجيا بطاريات الحالة الصلبة في سيارة كهربائية بحلول عام 2027 على أقرب تقدير. تعمل Toyota أيضاً على التكنولوجيا مع Panasonic من خلال مشروع البطاريات المشترك بينهما.
وسبق أن قالت شركة تويوتا في البداية، إنها تريد البدء في بيع السيارات الهجينة وليس الكهربائية ذات البطاريات الصلبة قبل عام 2025.
لكن كايتا قال يوم الثلاثاء الماضي، إن الشركة لديها الآن ثقة كافية لإنتاج كميات كبيرة من بطاريات الحالة الصلبة في المركبات الكهربائية بحلول عام 2027 أو 2028.
قال كايتا: "يتمتع جميع أعضائنا بحافز كبير، ويعملون بقصد إطلاق التكنولوجيا بالتأكيد في الموعد المحدد".
إذا تمكنت بطاريات الحالة الصلبة التي طورتها تويوتا من حل أكبر أربع مشاكل في السيارات الكهربائية وهي: التكلفة المرتفعة، وحاجة البطاريات للتغيير بعد بضع سنوات، وأن تكون سريعة الشحن بشكل يقارب زمن ضخ البنزين في السيارات، وأخيراً تقليل خطر نشوب حرائق، فإن هذا لن يهدد عرش تسلا والصينيين في مجال السيارات الكهربائية فحسب، بل قد يمثل بداية النهاية للسيارات العاملة بالوقود الأحفوري، لأنها ستوفر التسارع والهدوء، وتقليل تكلفة الوقود مقارنة بالسيارات التقليدية.
وهذا قد يعني أنه حتى البلدان غير المعنية بتقليل التلوث مثل دول العالم الثالث، وبعض الولايات الأمريكية سيكون لديها حافز آخر للتوجه للسيارات الكهربائية، هو أنها أسرع وأرخص وأقل تعقيداً من الناحية الميكانيكية، ولا تستغرق وقتاً طويلاً في الشحن.