المعشر: لم يبق إلا خيار "ترانسفير" الفلسطينيين إلى الأردن

دعا مروان المعشّر وهو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، وزير الخارجية  الأسبق، وأول سفير أردني لدى تل أبيب، المملكة إلى عدم التعامل بليونة ودبلوماسية مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.

وقال: "نتعامل مع حكومة  متطرفة دينيا وقوميا، الليونة معها والتكيف معها مستحيل، ولم تعد الأدوات التي كانت تعمل بها الأردن مع الحكومات الإسرائيلية السابقة تجدي نفعا مع هذه الحكومة".

وطالب المعشر الموقف الرسمي العربي والدولي بضرورة تغيير الخطاب وطرح حل "الدولة الواحدة والحقوق المتساوية السياسية والمدنية للفلسطينيين والإسرائيليين كأساس لأي حل مستقبلي".

وحذرا في حوار مع "عربي21"، من خطر "ترانسفير" الفلسطينيين إلى الأردن، قائلا إن "هناك خطرا حقيقيا، إسرائيل لا تريد أن تقوم دولة فلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس، وهي لا تريد أن تكون هناك أغلبية فلسطينية داخل الأراضي التي تسيطر عليها، ومن الواضح أن هذه الحكومة لا تعترف بحق الفلسطينيين في وجودهم على أرضهم".

وأردف: "إذن لم يبق إلا خيار واحد، هو خيار الترانسفير وهو بذلك يؤثر على الأمن القومي الأردني تأثيرا مباشرا، ونحن معنيون لأبعد الحدود بالحديث عن هذا الموضوع كونه ليس موضوعا فلسطينيا إسرائيليا فحسب، فهو موضوع أردني بامتياز أيضا".

وفي ما يأتي نص الحوار:

ما يجري في الأقصى هذه الأيام غير مسبوق.. ما قراءتك للمشهد؟

الآن ما يجري في المسجد الأقصى اليوم مختلف عما كان يجري في السابق، والاختلاف هو أننا نتعامل مع حكومة إسرائيلية متطرفة من الناحيتين القومية والدينية تنتهك حرمة المسجد الأقصى لأنها تريد الاستيلاء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ولو بصورة تدريجية.

لكن ما يتم الآن ليس حتى بالتدريج بل بشكل متسارع، لذلك علينا أن ندرك أننا نتعامل مع حكومة الليونة والتكيف معها مستحيل.

هل هذا يعني ضرورة تغيير الأدوات التي يتعامل بها الأردن مع هذه الحكومة المتطرفة؟

الأدوات السابقة التي تعاملت بها الأردن مع حكومات إسرائيل لا تجدي نفعا مع هذه الحكومة، فعندما يكون التطرف عنوان الحكومة فإن الأدوات الدبلوماسية لا تجدي معها، كون هذه الحكومة لا تقيم وزنا للأدوات الدبلوماسية، فكيف اذا كانت الحكومه متطرفة من جهتين من الجهة القومية ومن الجهة الدينية على حد سواء، ولم يسبق في تاريخ إسرائيل أن وجدت مثل هذه الحكومة التي يؤمن بعض أعضائها صراحة بأن لا حق للفلسطينيين في الوجود، ويعرفون أرض اسرائيل على أنها تشمل الأردن وفلسطين.

لماذا فشلت اجتماعات البحر الميت وشرم الشيخ في فرض التهدئة في رمضان؟

اسرائيل لم تقم وزنا لهذه الاجتماعات منذ البداية، وصرح الوزير بن غفير بعد ساعات من هذه الاجتماعات، أن ما يحدث في العقبة يبقى في العقبة، وليس لهم علاقة به.

ثانيا،السلطة الفلسطينية فقدت مصداقيتها بشكل كبير وليس لها سلطة على الجيل الفلسطيني الشاب، هذا الجيل يقوم بانتفاضة ثالثة في الاراضي الفلسطينية المحتلة لكنها تختلف عن الانتفاضة الاولى والثانية بأنها مسلحة وبدون قيادة.

الجيل الفلسطيني الجديد، فقد كل الأمل بقيادته وبالمجتمع الدولي وبامكانية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كلنا مسؤول عن ما آلت إليه الأوضاع في فلسطين؛ لأننا وعدنا الشعب الفلسطيني بانهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، ولم يتحقق هذا الوعد منذ مؤتمر مدريد قبل 30 عاما، اليوم يقول الجيل الفلسطيني الجديد سآخذ زمان الأمور بيدي، ولن انتظر لا قيادتي ولا المجتمع الدولي كي أقوم بإنهاء الاحتلال.

ما هي الأوراق في يد الأردن في ظل الضعف العام الذي تعيشه الدول العربية؟

صحيح أن الموقف العربي في أضعف أحواله، والأردن وحده لا يستطيع مجابهة كل ما يجري، لكن لدينا أوراق، وأنا لا احب توصيف أن الأردن ليس لديه أوراق، نحن نستطيع رسميا أن نتكلم عن ضرورة إعطاء الفلسطينيين حقوق متساوية داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.

ماذا يمنع من تضمين الخطاب الرسمي الأردني الدبلوماسي هذا الكلام، ما الذي يمنع من إيقاف اتفاقيات الغاز والمياه التي تعطي جزءا من قطاعاتنا الحيوية بيد إسرائيل. أنا أتفهم أن إلغاء اتفاقية السلام ليس واردا في ظل الظروف الدولية، لكن لا أفهم تعظيم التعاون مع اسرائيل في ظل هذه الظروف.

نحن ذهبنا إلى المعاهدة الأردنية الإسرائيلية للسلام لسبب رئيسي وهو تحديد حدود الأردن، وإعطاء الفلسطينيين دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وبالتالي دفن موضوع الوطن البديل من الواضح أن الوطن البديل لم يدفن,

لذا فالمعاهدة الأردنية الإسرائيلية بحاجة إلى مراجعة، والمطلوب وطنيا الجلوس جميعا على الطاولة من موالاة ومن معارضة للنظر لكافة الأوراق التي بيدنا ونعيد حساباتنا، ما زلنا نتصرف ضمن حسابات أوسلو التي انتهت منذ 30 عاما ومن الواضح الدولة الفلسطينية ليست بالطور الإنشاء وبالتالي هناك ضرورة وطنية لمراجعة الحسابات الأردنية.

لكن هناك تخوفات في هذا المجال قد تؤثر على علاقة الأردن بأمريكا وما يقال عن دور وظيفي؟

أنا أرفض هذا التوصيف والانزلاق لأن نقول الأردن دولة وظيفية، وأنا أذكر تماما عندما حاول الاسرائيليون اغتيال خالد مشعل، هدد جلالة الملك حسين بإلغاء معاهدة السلام وليس بتعليق أو طرد السفير.

ليس صحيح أننا دولة لا نستطيع أن نأخذ قرارات مستقلة، في نفس الوقت الولايات المتحدة لديها مشكلة مع اسرائيل اليوم وترفض استقبال نتنياهو،وايضا هناك انقسام ليس فقط داخليا بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، هناك انقسام بين إسرائيل والولايات المتحدة والجالية اليهودية هناك، في ظل كل هذه التطورات نستطيع أن نلعب أوراقا، ومن المفروض أن لا نقول أننا دولة ضعيفة وليس لدينا إلا أن يستجيب للضغوطات الأمريكية.

الأردن ما زال يتمسك بحل الدولتين كحل عادل للقضية الفلسطينية وأنت تطرح الدولة الواحدة.. لماذا؟

حل الدولتين هل هو قابل للتنفيذ! برأيي حل الدولتين انتهى منذ زمن حتى قبل قدوم هذه الحكومة اليمنية المتطرفة، ومع قدوم هذه الحكومة الوضع يزداد سوءا.

حل الدولتين بني على أساس الفصل بين الجانبين على الأرض، اليوم الفصل غير ممكن هناك 750 ألف مستوطن في الضفة منهم 250 ألف في القدس الشرقية، ليس هناك إرادة سياسية اسرائيلية ولا دولية وأمريكية لحل النزاع.

حل الدولتين دون إقراره ووضع خطة لترجمته إلى واقع  هو إعطاء اسرائيل مزيد من الوقت لبناء مزيد من المستوطنات ودفن هذا الحل الذي ندعمه جميعا، اليوم الكثير يقول إن حل الدولة الواحدة ليس ممكنا في هذه الظروف، هذا صحيح لكن اعتقادي يجب أن تتغير المقاربة من الحديث عن شكل الحل إلى الحديث عن الحقوق المتساوية السياسية والمدنية للفلسطينيين والإسرائيليين كأساس لأي حل مستقبلي سواء كان حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين.

وهذا مبدأ مقبول دوليا من سيقول لنا ممنوع أن تتكلم عن إعطاء الفلسطينيين حقوق متساوية! موضوع الحقوق المتساوية أصبح يشغل حيزا كبيرا في الأوساط ليست الرسمية الدولية لكن في الأوساط الشعبية الفلسطينية.

الموقف الدولي يختار أسهل الحلول أي الحديث عن حل الدولتين دون أن يكون هناك أي جهد لترجمته، وهذا فقط في صالح اسرائيل،علينا أن نتوقف عن شعارات نعرف انها لن تترجم إلى واقع براي دعونا نركز على الحقوق الى أين تذهب بنا هل هي  ضمن الدولة الواحدة أم حل الدولتين غير مهم.

لكن، هل حل الدولة الواحدة يجد قبولا في الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية؟

حل الدولة الواحدة حاضر بقوة لدى الجيل الفلسطيني الشاب الجديد ليس لأنه لا يرغب بحل الدولتين، لكن لأنه يؤمن أنه لا يوجد خيار، حل الدولتين لم يعد واقعيا، عدة سيناريوهات تطرح لحل الدولة الواحدة مثل دولة ثنائية القومية، أو دولة فيدرالية واحدة.

الجانب الفلسطيني أيضا يريد أن يصل إلى حل يضمن بقاء الهوية الوطنية الفلسطينية يضمن أن لا تُشرع المستوطنات، هناك عدة أمور إشكالية بالنسبة لحال الدولة الواحدة، علينا جميعا أن ننتبه لها، لكن المشكلة أننا ننطلق اليوم من واقع الدولة الواحدة وليس حل لكنه واقعا عنصريا اليوم اصبحت المشكله كيف نحول هذا الواقع التمييز العنصري إلى واقع الديمقراطي.

هل هناك مقاربة بين حل الدولة الواحدة وما حدث في جنوب أفريقيا زمن الفصل العنصري؟

بدون شك، لكن المقاربة قد لا تكون كاملة، ولكن هنالك أمور متشابهة عديدة، أهمها أن إسرائيل اليوم كما قلت تطبق نظامين قضائيين منفصلين ضد المواطنين الاسرائيليين، هذا هو التعريف القانوني لدولة الفصل العنصري.

هناك تشابه كبير بين ما جرى في جنوب افريقيا وما يجري اليوم في إسرائيل وهو ما يؤشر الى ان ان العالم بعدما يصبح الفلسطينيين أغلبية واضحة في الأراضي التي تسيطر على اسرائيل، العالم لن يقبل طويلا بنظام فصل عنصري، نحن  نحن كعرب لا نتحدث بهذه المواضيع، ونتحدث عن مقاربات انتهت وهي مقربات حل الدولتين.

هل ستتفاقم الأمور في القدس والضفة لتمتد إلى الأراضي الفلسطينية في الداخل؟

اليوم التناغم بين الفلسطينيين في الداخل والضفة في أوجه؛ لأن إسرائيل تعامل الطرفين الفلسطيني الذي يحمل المواطن الإسرائيلية الفلسطينةي تحت الاحتلال|، معاملة تمييز عنصري  (أبارتهايد) هناك قوانين في إسرائيل تميز بين الفلسطيني واليهودي ممن يحملون الجنسية، وهناك قوانين تميز بين الفلسطينيين تحت الاحتلال وبين المستوطنين في الضفة، هذا هو التعريف القانوني لدولة الفصل العنصري، ورأينا ما حدث قبل عامين في غزة حين اجتمعت كل المكونات الفلسطينية وتوحدت، وأنا في رأيي ان الايام القادمة ستشهد مزيدا من هذا التوحد.

هل ما يحدث في الأقصى هو حرب دينية؟

حرب قومية دينية، الصهيونية عندما نشأت وحتى اليوم كانت كانت فكرة متطرفة قومية، فكرة رفضها الكثير من اليهود في العالم، لكن اليوم زاد التطرف القومي تطرفا دينيا، فنعم اليوم هناك أعضاء من الحكومة الإسرائيلية يريدون لهذا التطرف الديني أن يطغى هم لا يعترفون أصلا بالمكونات  اليهودية الأخرى الأقل تدينا حسب تعريفهم هم للتدين.

هل يوجد خطر على الأردن من هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية؟

اعتقد نعم، هناك خطرا حقيقيا، لماذا؟ لا تريد إسرائيل أن تقوم دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وهي لا تريد أن تكون هناك أغلبية فلسطينية داخل الأراضي التي تسيطر عليها، ومن الواضح أن هذه الحكومة لا تعترف حق الفلسطينيين في وجودهم على ارضهم، لم يبق إلا خيار واحد هو خيار الترانسفير وهو بذلك يؤثر على الأمن القومي الأردني تأثيرا مباشرا،و نحن معنيين لأبعد الحدود في الحديث عن هذا الموضوع كونه ليس فلسطينيا فحسب انما موضوع أردني بامتياز ايضا.

هل تقصد الترانسفير بشكله الكلاسيكي كما حدث في عام 1948؟

لا نستطيع أن نقول انه لن يعاد ولن يكرر خصوصاً بعد ما حدث في أوكرانيا وسوريا، لكن حتى لو لم يكن بشكلها الكلاسيكي يمكن أن يكون بشكل إداري كأن تنسحب اسرائيل إلى المناطق التي تريد الاحتفاظ بها في غور الأردن والمستوطنات وتترك للأردن إدارة المدن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية  سيناريو الترانسفير يمكن أن يأخذ أكثر من شكل.

كيف يمكن للأردن مواجهة هذا الخطر؟

الاستقرار الأردني الحقيقي ينبع من الداخل من خلال جبهة داخلية متماسكة وتعددية واضحة في مجال حرية الرأي وتشكيل الأحزاب وانتقال الأردن للحياة الديمقراطية، وشعور الناس أن لديهم صوت مسموع، هذا ما يجعل استقرار الأردن استقرارا مستداما وليس أي أمر خارجي يحفظ الاستقرار، لا القواعد الامريكية ولا غير ذلك ستساعدنا على الاستقرار إن لم نساعد أنفسنا من خلال إصلاح سياسي حقيقي.

ما قراءتك للانقسام داخل المجتمع الاسرائيلي وما تأثيره على الساحة الفلسطينية؟

حتى اليوم هو انقسام داخلي بين اليهود، الفلسطينيين ليسوا جزءا من المعادلة، الاحتجاجات لا تشمل الفلسطينيين في الداخل هي من مكون يهودي تجاه مكون يهودي آخر لكنها انقسامات خطيرة وربما الأخطر في تاريخ اسرائيل.

إسرائيل باعت للعالم وبعت لنفسها أنها دولة ديمقراطية، ودولة الفصل والتوازن بين السلطات، ولا تسمح تغول سلطة على أخرى، لكن اليوم إسرائيل تحاول إضعاف السلطة القضائية ومن خلال سيطرة السلطتين التنفيذية والتشريعية على القضاء، هذا ينفي أساس أي دولة تدعي نظاما ديمقراطيا، لا تستطيع إسرائيل بعد اليوم أن تقول إنها دولة نظام ديمقراطي، ولا تستطيع الولايات المتحدة بعد الآن أن تقول إن إسرائيل دولة ديمقراطية، لكن كما قلت هذا الانقسام لا يشمل الفلسطينيين حتى الآن، المحتجون الاسرائيليون رفعوا شعار الديمقراطية للجميع لكن هذا الجميع بالنسبة لهم هو الجميع اليهودي وليس الجميع لكافة مواطني إسرائيل.

هل فرطنا كعرب باستغلال هذا الانقسام الإسرائيلي لصالح القضية الفلسطينية؟

أنا أسأل من في العالم العربي أو في الأوساط الرسمية الاردنية تحدث عن الانقسام في اسرائيل! ليست هناك أي مواقف سياسية يمكن أن يبنوا عليها، مواقف دبلوماسيه مثل موضوع الحقوق الذي يحظى بقبول دولي واسع.

اليوم لا نستغل ذلك إطلاقا لا أردنيا ولا عربيا، ولا نركز عليه بشكل من الأشكال، نحن لدينا في العالم العربي اليوم في الأوساط الرسمية سياسه تدعى بسياسة التكيف بمعنى أن تتكيف مع شخص لا يريدك ولا يؤمن بوجودك لدينا مشكلة في هذه المعادلة.