إليكم عنوان وتفاصيل خطبة الجمعة غدا
أعلنت وزارة الأوقاف عنوان الخطبة الموحد ليوم غد الجمعة والذي جاء: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (ملزم).
وتاليا نص الإعلان كاملا:
عناصر الخطبة (ملزم)
أمر الله تعالى المؤمنين بالتوبة وكثرة الاستغفار، لأن ذلك دليل على تعظيم الله عزّ وجل فقال سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ سورة النور:31، فالمؤمن يرتقي بتوبته وكثرة استغفاره للوصول إلى أعلى درجات الإيمان.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا يجوز لإنسان أن يقنط من رحمة الله، لأن في ذلك إساءة ظنٍّ بالله عز وجل والعياذ بالله فمهما بلغت ذنوب الإنسان عظمةً فإن عفو الله تعالى أعظم منها إن جاءه المسلم مقرّاً معتذراً تائباً.
للتوبة أثر إيجابي على الفرد والمجتمع، فهي تعني أن لدى المؤمن استشعار لمسؤوليته الأخلاقية تجاه دينه، ووطنه، وأفراد مجتمعه، فهو حريص على أمن بلاده فلا يعتدي على الأموال العامة، ولا يفسد في المجتمع، بل هو دائم السعي في عمارة الأرض لينال رضى الله سبحانه وتعالى.
إن كثرة الاستغفار والتوبة، سبب في زيارة الرزق، والبركة في المال والعيال، واستنزال الغيث من السماء.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس عليه السلام حيث قال: ( لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء،87: 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
الآيات القرآنية (مُلزم)
الآية
اسم السورة ورقم الآية
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) فاطر: 29-30
﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر:53
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)
آل عمران: 135-136
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
النور: 31
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
نوح: 10-12
الأحاديث النبوية (مُلزم)
طرف الحديث
تخريجه
«أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ»
سنن الترمذي
« كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
سنن الترمذي
«والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»
صحيح مسلم
«من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب»
سنن ابن ماجه
«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »
سنن الترمذي
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ أُحَدِّثُهُ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ يَجُرُّ إِزَارَهُ وَهُوَ يَقُولُ: " وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ
متفق عليه
«يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة»
صحيح مسلم
ملخص الخطبة (ملزم)
جعل الله تعالى الاستغفار ممحاةً للذنوب، والتوبة دواءً لعلل القلوب، وهي من صفات الأنبياء والأولياء، لذلك أمر الله تعالى بها المؤمنين الذين يعظّمون أمر الله تعالى، فقال سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ سورة النور:31، فالمؤمن يرتقي بتوبته وكثرة استغفاره للوصول إلى أعلى درجات الإيمان.المؤمن حريص على مراجعة حساباته دائماً في كل وقت وكل زمان، لأن الإنسان مهما بلغت درجة إيمانه فإن العصمة عن الخطأ لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والوقوع بالخطأ والزلل هو من طبيعة النفس البشرية المُقصرة، لذلك جعل الله تعالى الاستغفار ممحاةً للذنوب، والتوبة دواءً لعلل القلوب.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا يجوز لإنسان أن يقنط من رحمة الله، لأن في ذلك إساءة ظنٍّ بالله عز وجل والعياذ بالله فمهما بلغت ذنوب الإنسان عظمةً فإن عفو الله تعالى أعظم منها إن جاءه المسلم مقرّاً معتذراً تائباً، فلا يجوز لصاحب ذنب أن يقنط من رحمة الله، فإن في ذلك إساءة ظنٍّ بالله عز وجل والعياذ بالله فهما بلغت ذنوب الإنسان عظمةً فإن عفو الله تعالى أعظم منها إن جاءه المسلم مقرّاً معتذراً تائباً، والتائب عن الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة والاستغفار، دليل على الحياء من الله عزّ وجل، وشعور بالتقصير والعودة إلى الطريق المستقيم، لذلك فإن التوبة من الذنب ترفع قدر صاحبها عند الله عزّ وجل.
للتوبة أثر إيجابي على الفرد والمجتمع، فهي تعني أن لدى المؤمن استشعار لمسؤوليته الأخلاقية تجاه دينه، ووطنه، وأفراد مجتمعه، فيرجع إلى الحق دائماً ولا يصرّ على ذنب أو معصية، بل ولا يعاند في ظلم الناس أو الاعتداء عليهم، ومن باب أولى فهو حريص على أمن بلاده فلا يعتدي على الأموال العامة، ولا يفسد في المجتمع، بل هو دائم السعي في عمارة الأرض لينال رضى الله سبحانه وتعالى، وكذلك فإن كثرة الاستغفار والتوبة، سبب في زيارة الرزق، والبركة في المال والعيال.
إن كثرة الاستغفار والتوبة، سبب في زيارة الرزق، والبركة في المال والعيال، واستنزال الغيث من السماء، فالبلاد والعباد بحاجة الى هذه الرحمة، التي ينبت الله لنا بها الأرض ويدر بها الضرع.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس قال حيث قال: ( لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك صلى الله عليه وسلم، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم». _______ (1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة»
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
المادة العلمية المقترحة
إن المؤمن الفطن الحريص على رضى مولاه عز وجل، لا يغفل عن محاسبة نفسه ومراجعتها، بل هو كالتاجر الحاذق في هذه الدنيا الذي يحرص على مراجعة حساباته في كل عام، حتى يزيد من أرباحه، ويعلم مواطن ضعفه وعجزه فيجتنبها هارباً من الخسارة والندم، فإن حرص المؤمن في تجارته مع الله تعالى أعظم شرفاً، وأكبر قدراً، وسلعتها نفيسة لا تقدّر بثمن، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) فاطر: 29-30، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» سنن الترمذي، لذلك كان المؤمنون المتاجرون مع الله تعالى، هم أحرصُ الناس على مراجعة حساباتهم مع الله عزّ وجل، في كل وقتٍ وكل زمان.
فالإنسان مهما بلغت درجة إيمانه فإن العصمة عن الخطأ لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالوقوع بالخطأ والزلل هو من طبيعة النفس البشرية المُقصرة، لذلك جعل الله تعالى الاستغفار ممحاةً للذنوب، والتوبة دواءً لعلل القلوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم « كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» سنن الترمذي، وقال أيضا: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» صحيح مسلم، وقد قال الصالحون: "إِنَّمَا مَرَضُ الْقُلُوبِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَأَصْلُ الْعَافِيَةِ أَنْ تَتُوبَ"، يقول ابْن جرير التائبون هم الراجعون عَمَّا يكرههُ الله ويسخطه إِلَى مَا يُحِبهُ ويرضاه.
والحق أن التوبة وملازمة الاستغفار هي سفينة النجاة التي يقودها المؤمن في بحرٍ لُجّي من الشهوات، وفي أمواج من الذنوب والخطايا، يخوضها الإنسان في رحلة عمره ليقوده إلى شاطئ النجاة عند الله تعالى، فمن تمسك بحبل الله المتين، وقاد سفينته بشراع الإيمان، وتوجه إلى الله بكمال اليقين والإحسان، نال الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» سنن ابن ماجه، فسارعوا يا عباد الله بالتوبة لمولاكم، وداوموا المكوث على أبواب الرحمة والمغفرة لعلها تُفتح لكم، يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "يَا نَادِمًا عَلَى الذُّنُوبِ أَيْنَ أَثَرُ نَدَمِكَ، أَيْنَ بُكَاؤُكَ عَلَى زَلَّةِ قَدَمِكَ، أَيْنَ حذرك من أليم الْعِقَابِ، أَيْنَ قَلَقُكَ مِنْ خَوْفِ الْعِتَابِ، ...، يا هذا، اكْتُبْ قِصَّةَ الرُّجُوعِ، بِمِدَادِ الدُّمُوعِ، وَاسْعَ بِهَا عَلَى قَدَمِ الْخُضُوعِ إِلَى بَابِ الْخُشُوعِ".
يا رب إن عظمت ذنــــــــوبي كثــرة ...... فلقد علمت بأن عفوك أعظـــــم
إن كان لا يرجـــــــــــــــوك إلا محســن ...... فبمن يلوذ ويستجير المــــــــجرم
أدعوك رب، كما أمرت، تضرعاً ...... فإذا رددت يدي، فمن ذا يرحــــــــم
مــــــــــــــــا لي إليك وسيلةٌ إلا الرجـا ...... وجميــل عفـــــــوك ثم أنـــــــي مسلم
وليعلم المؤمنون، أنه لا يجوز لصاحب ذنب أن يقنط من رحمة الله، فإن في ذلك إساءة ظنٍّ بالله عز وجل والعياذ بالله فهما بلغت ذنوب الإنسان عظمةً فإن عفو الله تعالى أعظم منها إن جاءه المسلم مقرّاً معتذراً تائباً، فإن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له، وقد جاء في الأثر: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر: 53، وقد جاء في الأثر: "لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار"، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » سنن الترمذي.
وعن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ أُحَدِّثُهُ، فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ يَجُرُّ إِزَارَهُ وَهُوَ يَقُولُ: " وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ، قال أبو عبد الله: هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب وندم، وقال: لا إله إلا الله، غفر له، متفق عليه.
فإذا كان ارتكاب الذنوب والمعاصي دليل على استهانة الإنسان بحقّ الله تعالى، وعظيم قدره، وإنكار نعمه الظاهرة والباطنة، فإن التوبة والاستغفار، لهي دليل على الحياء من الله عزّ وجل، وشعور بالتقصير والعودة إلى الطريق المستقيم، لذلك فإن التوبة من الذنب ترفع قدر صاحبها عند الله عزّ وجل، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران: 135-136، يقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: " رب معصية أورثت ذلًا وافتقارًا، خير من طاعة أورثت عزًا واستكبارًا"،
واعلموا يا عباد الله أن التوبة لا تقتصر على الإقلاع عن الذنوب، بل هي من صفات الأنبياء والأولياء، لذلك أمر الله تعالى بها المؤمنين الذين يعظّمون أمر الله تعالى، فقال سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فالمؤمن يرتقي بتوبته وكثرة استغفاره لوصول أعلى درجات الإيمان، وحتى يتحقق معنى التقوى في قلبه، ويبلغ مرتبة الأولياء الصالحين، الذين كانوا يتوبون إلى الله تعالى ويستغفرونه من كلّ لحظةٍ لا يذكرون فيها الله تعالى، بل التوبة في حَدِّ ذاتِها عبادة، وهي من عبادةِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم من الذنوب صغيرِها وكبيرِها ومَن غفرَ اللهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِه وما تأخر إلاَّ أنه يتوب في اليوم مائة مرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» صحيح مسلم.
واعلموا أنَّ التوبة حتى تكون مقبولةً عند الله تعالى لا بدّ أن تكون توبةً نصوحاً، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ الْعَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ لا يَعُودَ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنِ التَّوْبَةِ النصوح فقال: ندم بالقلب، وَاسْتِغْفَارٌ بِاللِّسَانِ، وَتَرْكٌ بِالْجَوَارِحِ، وَإِضْمَارٌ أَنْ لا يَعُود.
فلا بدّ للإنسان أن يقلع عن المعصيةِ فوراً، وأن يندمَ على فِعلِها، فيَعزِمَ ألا يعودَ إليها أبداً، وأن يردَّ الحقوق إلى أصحابها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، يقول الله تعالى:﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾.
اعلموا عباد الله أن التوبة إلى الله تعالى وكثرة الاستغفار لا يقتصر أثرها على الإنسان وحده فقط، بل إن لها آثاراً يلمسها المسلم في مجتمعه وبين إخوانه، وفي بيئته ونواميس حياته، فالتوبة عن الذنب يعني أن بذرة الخير موجودة في قلب المؤمن وعليه أن ينميها ويسقيها بالأعمال الصالحة، وتعني كذلك أن المؤمن عنده استشعاره لمسؤوليته الأخلاقية تجاه دينه، ووطنه، وأفراد مجتمعه، فيرجع إلى الحق دائماً ولا يصرّ على ذنب أو معصية، بل ولا يعاند في ظلم الناس أو الاعتداء عليهم، ومن باب أولى فهو حريص على أمن بلاده فلا يعتدي على الأموال العامة، ولا يفسد في المجتمع، بل هو دائم السعي في عمارة الأرض لينال رضى الله سبحانه وتعالى.
وكذلك فإن كثرة الاستغفار والتوبة، سبب في زيارة الرزق، والبركة في المال والعيال، وهي سبيل لاستنزال رحمات الله عزّ وجل، ونحن الآن في فصل الشتاء، ينبغي علينا أن نجتهد في التوبة والاستغفار لتعمّ علينا رحمات الله تعالى بالغيث الذي يحيي البلاد، ويسقي العباد، ويطهر القلوب، يقول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح:10-12، فنسأل الله الغيث وأن لا يجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئا سحاً غدقاً مجلجلاً عاماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل اللهم أسقنا غيثاً تحي به البلاد وترحم به العباد.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد، إنه سميع مجيب. والحمد لله ربّ العالمين.